وتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال. قلت: لا. قال: ذاك شيطان)) .
ــ
الصدق في قوله صدقك استدرك ففي الصدق عنه بصيغة مبالغة والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر وهو كقولهم قد يصدق الكذوب (وتعلم) كذا في أكثر النسخ من المشكاة، وفي بعضها تعلم بإسقاط الواو كما في البخاري أي أتعلم (من تخاطب) أي بالتعيين الشخصي (منذ) بالنون وللحموي والمستملي منذ (ثلاث ليال قلت لا) أعلم (ذاك شيطان) من الشياطين. قال الطيبي: نكر لفظ الشيطان بعد سبقه منكراً في قوله لا يقربك شيطان ليؤذن بأن الثاني غير الأول على ما هو المشهور إن النكرة إذا أعيدت بلفظها كانت غير الأولى ووجه تغايرهما إن الأول مطلق شائع في جنسه، لأن القصد منه نفي قربان تلك الماهية له، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس أي شيطان من الشياطين فلو عرف لأوهم خلاف المقصود لأنه إما أن يشار إلى السابق أو إلى المعروف، والمشهور بين الناس وكلاهما غير مراد. وكان من الظاهر أن يقال شيطاناً بالنصب لأن السؤال في قوله من تخاطب عن المفعول فعدل إلى الجملة الاسمية وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين ودوام الإحتراز عن كيده ومكره فإن قلت قد وقع عند البخاري فيما روى عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن شيطاناً تفلت على البارحة-الحديث. وفيه لولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية، وهذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام حيث قال: وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، قال الله تعالى:{فسخرنا له الريح}[ص:٣٦] ثم قال {والشياطين} وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه أجيب باحتمال أن الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن من الشياطين فيضاهي حينئذٍ سليمان في تسخيرهم والتوثق منهم، والمراد بالشيطان في حديث أبي هريرة هذا شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة فلا يلزم من تمكنه منه استتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي هم به النبي - صلى الله عليه وسلم - تبدي له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم، والذي تبدي لأبي هريرة في حديث الباب كان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان والعلم عند الله تعالى. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم إن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن وإن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها وإن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن: ولا يكون بذلك مؤمناً، وإن الكذاب قد يصدق، وإن الشيطان من شأنه أن يكذب، وإنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته، وإن من أقيم في حفظ شي سمي وكيلا، وإن الجن يأكلون من طعام الإنس وإنهم يظهرون للإنس، لكن بالشرط المذكور وإنهم يتكلون بكلام الإنس وإنهم يسرقون ويخدعون. وفيه فضل آية الكرسي، وفيه جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها كذا في الفتح