٢٣٦- (٣٩) وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) . وفي رواية:((من قال في القرآن بغير علم
ــ
٢٣٦- قوله: (من قال في القرآن) أي تكلم في لفظه وقراءته أو معناه ومدلوله. (برأيه) أي من تلقاء نفسه من غير تتبع تفسيره في الأحاديث المرفوعة والموقوفة، ومن غير استقراء أقوال الأئمة من أهل اللغة والعربية المطابقة للقواعد الشرعية، بل بحسب ما يقتضيه عقله، وهو مما يتوقف على النقل بأنه لا مجال للعقل فيه كأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وما يتعلق بالقصص والأحكام، أو بحسب ما يقتضيه ظاهر النقل، وهو مما يتوقف على العقل كالمتشابهات التي أخذ المجسمه بظواهرها، وأعرضوا عن استحالة ذلك في العقول، أو بحسب ما يقتضيه بعض العلوم الإلهية مع عدم معرفته ببقيتها وبالعلوم الشرعية فيما يحتاج لذلك، ولذا قال البيهقي: المراد رأي غلب من غير دليل قام عليه، أما ما يشده برهان فلا محذور فيه، فعلم أن علم التفسير إنما يتلقى من النقل، ومن أقوال الأئمة، ومن المقاييس العربية والقواعد الأصولية المبحوث عنها في علم أصول الفقه أو أصول الدين. وقال النيسابورى ما محصله: لا يجوز أن يراد أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة قد فسروه واختلفوا فيه على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه منه، ولأنه لا يفيد حينئذٍ دعاءه لابن عباس:((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) ، فالنهي بوجهين أحدهما أن يكون له في الشيء رأى وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول على وفقه ليحتج على تصحيح غرضه، وهذا قد يكون مع علمه أن ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يلبس على خصمه، وقد يكون مع جهله بأن يكون الآية محتملة له لكن رجحه لرأيه، ولو لاه لما يترجح ذلك الوجه له، وقد يكون له غرض صحيح، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي ويستدل بقوله {اذهب إلى فرعون إنه طغى}[٢٤:٢٠] ، ويشير إلى قلبه. والثاني أن يتسارع إلى التفسير بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع في غرائبه ومبهماته وفيما فيه من الحذف والتقديم، فالنقل والسماح لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً ليتبقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهيم والاستنباط، وما عدا هذين الوجهين فلا وجه للمنع فيه مادام على قوانين العلوم العربية والقواعد الأصلية والفرعية. وقال الشاه ولي الله الدهلوي: يحرم الخوض في التفسير لمن لا يعرف اللسان الذي نزل القرآن به، والمأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين، ومن شرح غريب وسبب نزول وناسخ ومنسوخ، وارجع للتفصيل إلى تحفة الأحوذي (ج٤:ص٦٥) ، وهذه الرواية تتمة حديث ابن عباس السابق المروي عند الترمذي، أعنى ((اتقوا الحديث عني ... )) الخ. وقد حسنه الترمذي. (وفي رواية) أخرى للترمذي وغيره (من قال في القرآن بغير علم) أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق للشرعي. قال الحافظ ابن كثير: أصح الطرق في التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}[٤٤:١٦] وإذا لم نجد