((كلا كما محسن، فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) . رواه البخاري.
ــ
وقال الطيبي: أي للجدال الواقع بينهما، وفي رواية زر المذكورة فغضب وتمعر وجهه (كلا كما محسن) قال القاري: أي في رواية القراءة وأفراد الخبر باعتبار لفظ كلا. وقال القسطلاني فإن قلت: كيف يستقيم هذا القول مع إظهار الكراهية، أجيب بأن معنى الإحسان راجع إلى ذلك لقراءته وإلة ابن مسعود لسماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تحريه الاحتياط، والكراهية راجعة إلى جداله مع ذلك الرجل كما فعل عمر بهشام، كما تقدم، لأن ذلك مسبوق بالاختلاف. وكان الواجب عليه أن يقره على قراءته ثم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهها. وقال المظهري: الاختلاف في القرآن غير جائز لأن كل لفظ منه إذا جاز قراءته على وجهين أو أكثر فلو أنكر واحد أحداً من ذينك الوجهين أو الوجوه فقد أنكر القرآن ولا يجوز في القرآن القول بالرأي، لأن القرآن سنة متبعة بل عليهما أن يسألا عن ذلك ممن هو أعلم منهما- انتهى. وقال ابن الملك: إنما كره اختلاف ابن مسعود مع ذلك الرجل في القرآن، لأن قراءته على وجوه مختلفة جائزة فإنكار بعض تلك الوجوه إنكار للقرآن وهو غير جائز. قال القاري: هذا وقع من ابن مسعود قبل العلم بجواز الوجوه المختلفة وإلا فحاشاه أن ينكر بعد العلم ما يوجب إنكاره وإنكار القرآن وهو من أجل الصحابة بعلم القرآن وافقهم بأحكامه، ولعل وجه ظهور الكراهية في وجهه عليه الصلاة والسلام إحضاره الرجل، فإنه كان حقه أن يحسن الظن به ويسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما وقع له، ويمكن أنه ظهرت الكراهية في وجهه عليه الصلاة والسلام عندما صنع عمر أيضاً لكن عمر لشدة غضبه ما شعر أو حلم عليه الصلاة والسلام لما رأى به من الشدة. (فلا تختلفوا) أي أيها الصحابة أو أيها الأمة وصدقوا بعضكم بعضاً في الرواية بشروطها المعتبرة قاله القاري، وقال القسطلاني: أي لا تختلفوا اختلافاً يؤدي إلى الكفر أو البدعة كالاختلاف في نفس القرآن، وفيما جازت قراءته بوجهين وفيما يوقع في الفتنة أو الشبهة. (فإن من كان قبلكم) أي من بني إسرائيل (اختلفوا) بتكذيب بعضهم بعضاً (فهلكوا) أي باختلافهم وفي رواية فأهلكوا بضم أوله وفي أخرى فأهلكهم أي الله بسبب الاختلاف. قال الحافظ: وعند ابن حبان والحاكم (ج٢ص٢٢٤) من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه القصة فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف-انتهى. وكذا وقع عند أحمد (ج١ص٤١٩) وفي رواية أخرى له (ج١ص٤٢١، ٥٤٢) فإنما هلك أو أهلك من كان قبلكم بالاختلاف. قال الحافظ: وفي الحديث الحض على الجماعة والتحذير من الفرقة والاختلاف والنهي عن المراء في القرآن بغير حق، ومن شر ذلك أن يظهر دلالة الآية على شيء يخالف الرأي فبتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في ذلك والمناضلة عليه- انتهى. (رواه البخاري) في أول الخصومات وفي ذكر بني إسرائيل وفي آخر فضائل القرآن من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود،