وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً، وكانت قصتها شبيهة بقصتها،
ــ
- صلى الله عليه وسلم - مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي أو بمجرد إسناد فعلي بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر وسبقه إلى ذلك أبوجعفر بن الزبير. وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتباً سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان يعني الذي نحن في شرحه ومال السيوطي إلى قول البيهقي حيث قال في الإتقان (ج١ص٦٣) بعد بسط الخلاف وسرد أقوال العلماء في ذلك والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال – انتهى. والقول الراجح المعول عليه عندنا هو ما ذهب إليه البغوي وابن الأنباري والكرماني وغيرهم إن ترتيب المصحف على ما هو عليه الآن تولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر به جبرئيل عن أمر ربه فجميع السور ترتيبها توقيفي، وكل ما يدل على خلاف هذا فهو مدفوع، وحديث ابن عباس الذي نحن في شرحه مدخول أيضاً كما ستعرف (وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت) كذا عند الترمذي، ولأحمد ما أنزل أي من الإنزال ولأبي داود من أول ما نزل عليه (بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً) كذا في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة بزيادة نزولاً بعد لفظ القرآن، وهكذا ذكره الجزري في جامع الأصول (ج٢ص٢٣٢) والسيوطي في الإتقان (ج١ص٦٠) والشوكاني في فتح القدير (ج٢ص٣١٦) وكذا وقع في رواية البيهقي (ج٢ص٤٢) ولم يقع هذا اللفظ عند أحمد والترمذي ولا ذكره الحافظ في الفتح، ولفظ أبي داود وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن. قال القاري: أي فهي مدنية أيضاً وبينهما النسبة الترتيبية بالأولية والآخرية، فهذا أحد وجوه الجمع بينهما، ويؤيده ما وقع في رواية بعد ذلك فظننت أنها منها، وكأن هذا مستند من قال إنهما سورة واحدة وهو ما أخرجه أبوالشيخ عن دوق وأبويعلى عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سفيان وابن لهيعة كانوا يقولون: إن براءة من الأنفال ولهذا لم تكتب البسملة بينهما مع اشتباه طرقها، ورد بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لكل منها باسم مستقل قال القشيري: الصحيح إن التسمية لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها فيها، وعن ابن عباس لم تكتب البسملة في براءة لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف وعن مالك إن أولها لما سقط سقطت معه البسملة، فقد ثبت إنها كانت تعدل البقرة لطولها. وقيل: إنها ثابتة أولها في مصحف ابن مسعود ولا يعول على ذلك - انتهى. قلت: قوله "فظننت أنها منها" ثابت في هذه الرواية عند الثلاثة الذين عزى إليهم – الحديث. وكذا عند الحاكم والبيهقي، والظاهر إن المصنف تبع في ذلك الجزري حيث ذكر هذا الحديث في جامع الأصول بدون تلك الجملة (وكانت قصتها) أي الأنفال (شبيهة بقصتها)