للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}

ــ

التأويل ما بعد الآية المتلوة {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم} [غافر: ٦] داخرين حيث عبر عن عدم الافتقار والتذلل والخضوع بالاستكبار، ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان. وقيل: لا وجه لحمل العبادة على المعنى اللغوي ولا فائدة فيه والأقرب أن يقال أن العبادة سواء كانت دعاء أم غيره لا يخلو أن يقصد بها استدعاء رضوان الله تعالى واستدفاع سخطه أو يقصد بها غرض دنيوي محض كالتوسعة في الرزق ليتنعم والشفاء من المرض ليتخلص من الألم وعلى كل فذلك القصد يصح أن يسمى دعاء، لأنه دعاء قلبي وإذا اعتبرنا العبادات الشرعية سوى الدعاء وجدنا الشارع، قد شرع الدعاء في كل منهما بما يوافق ذلك القصد فصار الدعاء عبارة عن الأمرين، السؤال باللسان والقصد بالجنان، لأن الدعاء باللسان إنما هو ترجمة لذلك القصد فإذا صح هذا فإننا إذا أفرزنا الدعاء من العبادة وهو القصد القلبي وترجمته اللسانية لم يبق من العبادة إلا صورتها. ولا شك أن القصد القلبي مع الترجمة عنه أكرم على الله تعالى وأشرف من صورة العبادة مجردة عن ذلك، ولهذا صح إن الدعاء مخ العبادة، وهو معنى قوله إن الدعاء هو العبادة على وزان قوله الحج عرفة وقد يتوسع في هذا فيقال إن صورة العبادة كالصوم دعاء بالحال، وبهذا يصح إن العبادات كلها دعاء. وقال ميرك: أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه إن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة أي معظم أركان الحج الوقوف بعرفة) . قال القاري في شرح الحصن بعد نقل كلام ميرك: والأظهر أن الحصر حقيقي لا ادعائي فإن إظهار العبد العجز، والاحتياج عن نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته سواء استجاب له أو لم يستجب كريم غني لا بخل له ولا فقر ولا احتياج له إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده هو عين العبادة بل مخها – انتهى. (ثم قرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم) ذكر الآية بعد الحديث على وجه البيان لأن في الآية الأمر بالدعاء والقيام بحكم الأمر هو العبادة. قال القاري: قيل استدل بالآية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور به عبادة. وقال القاضي البيضاوي: لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستحق أن تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عمن سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط، والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها، ويقرب منه قوله مخ العبادة أي خالصها. وقيل الاستدلال بالآية بتمامها وذلك لأن أول الكلام مسوق للدعاء، فالمناسب به أن يقول: إن الذين يستكبرون عن دعائي، فإطلاق العبادة في موضع الدعاء ويدل على أن الدعاء عبادة. قال الحافظ: هذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على

...

<<  <  ج: ص:  >  >>