الذين يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر (وغشيتهم) بكسر الشين أي غطتهم (الرحمة) الخاصة بالذاكرين. قال السندي: أي غطتهم الرحمة من كل جانب إذ الغشيان يستعمل فيما يشمل المغشي من جميع جوانبه. وقال الشوكاني:"قوله حفتهم الملائكة" أي أحدقت بهم واستدارت عليهم، ومعنى غشتهم الرحمة سترتهم من التغشي بالثواب. (ونزلت عليهم السكينة) أي الطمأنينة والوقار لقوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}[الرعد: ٢٨] ومنه قوله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم}[الفتح:٤] وقيل: المراد بالسكينة الرحمة ويرد ذلك عطفها على قوله غشيتهم الرحمة. وقيل: أنها الملائكة وقيل: هي ما يحصل به السكون وقوة القلب وذهاب الظلمة النفسانية. وقال ابن القيم في مدارج السالكين: وقد ذكر الله تعالى السكينة في كتابه في ستة مواضع الأول قوله تعالى: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}[البقرة: ٢٤٨] الثاني قوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}[التوبة:٢٦] الثالث قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها}[التوبة: ٤٠] الرابع {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً}[الفتح: ٤] الخامس قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}[الفتح: ١٨] السادس قوله تعالى: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} الآية [الفتح: ٢٦] وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته. وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رؤسهما لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما وكيوم حنين إذ ولو مدبرين من شدة بأس الكفار لا يلوي أحد منهم على أحد وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار ودخولهم تحت شروطهم التي تحملها النفوس وحسبك بضعف عمر عن حملها وهو عمر حتى ثبته الله بالصديق. قال ابن عباس: كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة. ثم بين ابن القيم الفرق بين السكينة والطمأنينة فقال الفرق بينهما إن السكينة صولة تورث خمود الهيبة الحاصلة في القلب وذلك في بعض الأوقات فليس حكماً دائما مستمراً، وهذا يكون لأهل الطمأنينة دائماً ويصحبه الأمن والإنس والاستراحة.