قال: وكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك. قال: ومما يستجيروني؟ قالوا: من نارك. قال: هل روا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: يستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم، فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: رب! فيهم فلان عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)) .
ــ
يطلبون (وكيف لو رأوا جنتي) قال الطيبي: جواب "لو" ما دل عليه كيف لأنه سؤال عن الحال أي لو رأوا جنتي ما يكون حالهم في الذكر (ويستجيرونك) عطف على ويسألونك، والجملة من السؤال، والجواب فيما بينهما معترضة أي يستعيذونك. قال الجزري: الاستجارة طلب الجوار والإجارة الحماية والدفاع والمنعة عن الإنسان (ومما) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وهكذا في نسخ مسلم من طبعات الهند وجامع الأصول (ج٥ص٢٣٨) ووقع في النسخ المصرية من صحيح مسلم و"مم" أي بحذف الألف وإبقاء الفتحة على الميم، وكذا نقله المنذري في الترغيب والحافظ في الفتح وهذا هو الصواب، والظاهر إن الأول خطأ من النساخ (يستجيروني) بالوجهين ويرو أيضاً يستجيرون (من نارك) أي يطلبون الأمان منها (يستغفرونك) أي أيضاً وفي بعض النسخ ويستغفرونك بالعطف موافقاً لما في صحيح مسلم (قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا) قال القاري: لعل العدول عن الواو إلى الفاء لترتب الإعطاء على المغفرة. قلت: قوله "فأعطيتهم" بالفاء كذا وقع في جميع النسخ من المشكاة والذي في صحيح مسلم وأعطيتهم أي بالواو، وهكذا في المصابيح والترغيب وجامع الأصول والفتح والظاهر إن ما وقع في المشكاة خطأ من الناسخ (وأجرتهم) من أجاره يجيره إذا آمنه من الخوف (يقولون رب) أي يا رب! (عبد خطأ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة والمد أي كثير الخطأ والذنب، أو ملازم الخطايا غير تارك لها وهو من أبنية المبالغة. قال القاري: بدل من فلان (إنما مر) أي لحاجة (فجلس معهم) قال الطيبي في التركيب: تقديم وتأخير أي إنما فلان مرّ أي ما فعل فلان إلا المرور والجلوس عقبه يعني ما ذكر الله تعالى (فيقول وله غفرت) أي أيضاً. قال الطيبي: الواو للعطف وهو يقتضي معطوفاً عليه أي قد غفرت لهم وله ثم اتبع غفرت تأكيداً وتقريراً (هم القوم) قال الطيبي: تعريف الخبر يدل على الكمال أي هم القوم كل القوم الكاملون فيما هم فيه من السعادة فيكون قوله (لا يشقى بهم) أي بسببهم وببركتهم (جليسهم) استئنافاً لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين. فلو قيل يسعد بهم جليسهم لكان