للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناكم؟ قالوا: بلى: قال: ذكر الله)) .

ــ

في تخصيص هذين العملين الفاضلين: (الإنفاق والجهاد) بالذكر أيضاً بعد تعميم جميع الأعمال زيادة تأكيداً لما دل عليه ألا أنبئكم بخير أعمالكم وما بعده من فضيلة الذكر على كل الأعمال ومبالغة في النداء بفضله عليها ودفع لما يظن من أن المراد بالأعمال ههنا غير ما هو متناة في الفضيلة وارتفاع الدرجة – وهو الجهاد والصدقة بما هو محبب إلى قلوب العباد فوق كل نوع من أنواع المال وهو الذهب والفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) أي للجهاد والعدو يطلق على الجمع ولذا جمع ضمير أعناقهم (فتضربوا أعناقهم) أي أعناق بعضهم (ويضربوا) أي بعضهم (أعناقكم) أي كلكم أو بعضكم يعني خير لكم من بذل الأموال والأنفس في سبيل الله بأن تجاهدوا الكفار (قالوا بلى) أي أخبرنا، وفي رواية أحمد وابن ماجه قالوا: وما ذاك يا رسول الله! (قال ذكر الله) أي هو ذكركم له سبحانه وإطلاق الذكر يشمل القليل والكثير مع المداومة وعدمها. وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل عند الله تعالى من جميع الأعمال التي يعملها العبد وإنه أكثرها نماء وبركة وأرفعها درجة وفي هذا ترغيب عظيم، فإنه يدخل تحت الأعمال كل عمل يعمله العبد كائناً ما كان. قال السندي: أحاديث أفضل الأعمال مختلفة، وقد ذكر العلماء في توفيقها وجوها من جملتها أن الاختلاف بالنظر إلى اختلاف أحوال المخاطبين، فمنهم من يكون الأفضل له الاشتغال بعمل، ومنهم من يكون الأفضل له الاشتغال بأخر يعني فمن كان مطيقاً للجهاد قوى الأثر فيه شجاعاً باسلاً يحصل به نفع الإسلام، فأفضل أعماله الجهاد، ومن كان كثير المال غنياً ينتفع الفقراء بماله فأفضل أعماله الصدقة، ومن كان غير متصف بأحد الصفتين المذكورتين فأفضل أعماله الذكر ونحوه. وقال الحافظ: المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وإن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلاً من غير استحضار لذلك، وإن أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلاً فهو بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى. وأجاب القاضي أبوبكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله عند صدقته أو صيامه مثلاً فليس عمله كاملاً فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية، ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن أبلغ من عمله. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده: هذا الحديث يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف – انتهى. وقيل: لعل الخيرية والأرفعية في الذكر لأجل إن سائر العبادات من إنفاق الذهب والفضة ومن ملاقاة العدو، والمقاتلة معهم إنما هي وسائل ووسائط تتقرب العباد بها إلى الله تعالى. والذكر إنما هو المقصود الأسنى والمطلوب الأعلى كما قال الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>