للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتلمهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون ذلك)) رواه البخاري.

ــ

(فإن أكثرت) أي أردت الإكثار. (ولا تمل الناس هذا القرآن) من الإملال، والملل السامة بمعنى واحد. قال الطيبي: إشارة إلى تعظيمه، فرتب وصف التعظيم على الحكم للإشعار بالعلية، أي لا تحقر هذا العظيم الشأن الذي جبلت القلوب على محبته وعدم الشبع منه، أي وإذا كان ذلك الإكثار يوجب الملل عما هذه أوصافه فما بالك بغيره من العلوم التي جبلت النفوس على النفرة من مشاقها ومتاعبها. وقد تقدم حديث ابن مسعود: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا)) . (ولاألفينك) بضم الهمزة وكسر الفاء، أي لا أجدنك. قال الطيبي: هو من باب لا أرينك، أي لا تكن بحيث ألفينك على هذه، وهي أنك (تأتي القوم) حال من المفعول (وهم في حديث من حديثهم) حال من "القوم" أي والحال أنهم مشغولون عنك. (فتقص) أي قصصاً من وعظ أو علم (فتقطع عليهم حديثهم) أي كلامهم الذي هم فيه، والفعلان معطوفان على "تأتي" وهو الظاهر، وقيل: منصوبان على جواب النهي. (فتملهم) منصوب جواباً للنهي، وقيل: مرفوع (ولكن أنصت، فإذا أمروك) وفي البخاري، "فإن أمروك" أي طلبوا منك التحديث (فحدثهم وهم يشتهونه) حال مقيدة، وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه، والنهي عن قطع حديث غيره، وأنه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه، ويحدث من يشتهي بسماعه؛ لأنه أجدر أن ينتفع به. (وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه) "السجع" بفتح السين وسكون الجيم موالاة الكلام على روي واحد، وقيل: هو الكلام المقفي من غير مراعاة وزن، ولا يرد عليه ما وقع في الأحاديث الصحيحة من الأدعية؛ لأن المراد في قوله: "انظر السجع" المعهود وهو سجع الكهان والمتشدقين المتكلفين في محاوراتهم، لا الذي يقع في فصيح الكلام بلا كلفة، فإن الفواصل القرآنية واردة على هذا، ويؤيده ما قال - صلى الله عليه وسلم - في قصة المرأة من هذيل: ((أسجع كسجع الكهان؟)) ، والمعنى تأمل السجع المتكلف المانع من الخشوع والضراعة المطلوبة في الدعاء، أو المستكره منه، وهو سجع الكهان فاجتنبه ولا تشغل فكرك به لما ذكر. (فإني عهدت) أي عرفت وعلمت (لا يفعلون ذلك) أي تكلف السجع. (رواه البخاري) في الدعوات، وأخرجه أيضاً البزار في مسنده، والطبراني عن البزار، كذا في الفتح. وفي الباب عن عائشة أخرجه أحمد. قال الهيثمي (ج١:ص١٩١) : رجاله رجال الصحيح. ورواه أبويعلى بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>