إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، أنكم تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، قال أبوموسى: وأنا خلفه أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله في نفسي،
ــ
فلا يلزم منه المنع من الجهر مطلقاً، لأن النهي للتيسير والإرفاق لا لكون الجهر غير مشروع (إنكم) استيناف فيه معنى التعليل (لا تدعون أصم ولا غائباً) قال الكرماني: فإن قلت المناسب ولا أعمى قلت الأعمى غائب عن الإحساس بالمبصر والغائب كالأعمى في عدم رؤيته ذلك المبصر فنفي لازمه ليكون أبلغ وأعم وزاد قريباً (أي في رواية أخرى) إذ رب سامع وباصر لا يسمع ولا يبصر لبعده عن المحسوس فأثبت القرب ليتبين المقتضى وعدم المانع ولم يرد بالقرب قرب المسافة بل القرب بالعلم. وقال الحافظ: ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت (إنكم) تأكيد وقيل هو كالتعليل لقوله لا تدعون أصم (سميعاً بصيراً) كذا وقع في رواية البخاري في باب الدعاء إذا علا عقبة من كتاب الدعوات وفي كتاب القدر، ووقع عنده في المغازي سميعاً قريباً وهكذا عند مسلم، ووقع في التوحيد عند البخاري سميعاً بصيراً قريباً. قال في اللمعات: وجه زيادة قوله بصيراً مع أنه لا حاجة إليه لمناسبة قوله سميعاً فإنهما مذكوران معاً في أكثر المواضع، أو لإرادة أنه لا حاجة لكم إلى الجهر ورفع الصوت فإنه يسمع من غير جهر ورفع صوت ومع ذلك يبصركم ويعلم حالكم من صوركم وهيئاتكم فأفهم. وقال الطيبي: فائدة زيادة قوله بصيراً إن السميع البصير أشد إدراكاً وأكمل إحساساً من السميع الأعمى. وقال ابن حجر: سميعاً مقابل لقوله أصم وبصيراً أتى به لأنه ملازم للسميع في الذكر لما بينهما من التناسب في الإدراك (وهو معكم) أي بالعلم والقدرة والإحاطة عموماً والفضل والرحمة خصوصاً. قال القاري: أي حاضر بالعلم والإطلاع على حالكم أين ما كنتم سواء أعلنتم أو أخفيتم وهو بظاهره مقابل لقوله "ولا غائباً" ثم زاد في تحقيق هذه المعية المعنوية الدالة على غاية الشرف والعظمة بقوله (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) هذه الجملة انفرد بها مسلم لم يذكرها البخاري وهذا تمثيل وتقريب إلى الفهم وإلا فهو أقرب من حبل الوريد. قال النووي: قوله "هو معكم" أي بالعلم والإحاطة وقوله "والذي تدعونه أقرب" الخ هو بمعنى ما سبق وحاصله إنه مجاز كقوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}[ق: ١٦] أي نحن أقرب إليه بالعلم من حبل وريده، لا يخفى علينا شيء من خفياته فكأن ذاته قريبة منه، وحاصله إنه تجوز بقرب الذات عن قرب العلم. ونقل الذهبي في كتاب العلو عن الإمام أبي الحسن الأشعري أنه قال إن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}(في نفسي) متعلق بأقول أي بلساني سراً من غير ارتفاع صوتي وقوله "في نفسي" تفرد به البخاري وهو عنده في الدعوات وفي التوحيد، ووقع عنده في المغازي وأنا خلف دابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -