للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قلت: وإن زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! فقال الثانية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}

ــ

يكون للعطف على يقص (ولمن خاف) أي لكل فرد من أفراد الخائفين أو لمجموعهم يعني الكلام على سبيل التوزيع فإحدى الجنتين للخائف الإنسي، والأخرى للخاف الجني، فكل خائف ليس له إلا جنة واحدة والأول هو المعتمد (مقام ربه) مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيام الخائف عند ربه للحساب يعني ولمن خاف من القيام بحضرة ربه يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: ٦) وقيل: المعنى خاف مقام ربه عليه وهو إشرافه على أحواله وإطلاعه على أفعاله وأقواله من قام عليه إذ راقبه، كما في قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، ومحصل ذلك احتمالات ثلاث في تفسير المقام. أولها: إنه اسم مكان. والثاني: أنه مصدر تحته احتمالان إما بمعنى قيام الخلائق بين يدي الله أو بمعنى قيام الله على الخلائق، وأضاف إلى الرب تفخيمًا وتهويلاً. وقيل: أي لمن خاف ربه مقام مقحم للمبالغة، كقوله: أنفيت عنه مقام الذئب. قال مجاهد والنخعي: هو الرجل الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه، وفيه إشارة إلى سبب استحقاق الجنتين في نفس الأمر، وهو أنه ليس مجرد الخوف بل الخوف الناشئ عنه ترك المعاصي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية قال: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه فأدوا فرائضه الجنة، وأخرج ابن جرير عنه أيضًا يقول خاف ثم أتقى والخائف من ركب طاعة الله وترك معصيته. (جنتان) أي جنتان ذواتا أفنان إلى آخر صفاتهما المذكورة في القرآن المبينة أنهما أعلى من الجنتين المذكورتين بعدهما من الجنان ومن ثمة قال: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي في المرتبة والنعيم والشرف، واختلف في الجنتين أولاً، فقيل: جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية. وقيل: جنة للعقيدة وأخرى للعمل. وقيد جنة بالعمل، وجنة بالتفضيل. وقيل: غير ذلك، والأظهر أن يقال: جنتان من ذهب آنيتهما وقصورهما وحليهما وما فيهما ومن دونهما جنتان أي من فضة كذلك وإليه ذهب ابن كثير حيث قال الصحيح إن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره بقول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} (النازعات: ٤٠) بين يدي الله عز وجل يوم القيامة {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات ٤٠) ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى، فأدى فرائض الله واجتنب محارمه فله يوم القيامة عند ربه جنتان، كما روى البخاري (بسنده) عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما - الحديث. وقال في فتح القدير (ج٥: ص١٤١) أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن: ٤٦) وفي قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (الرحمن: ٦٢) قال: جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من وِرق لأصحاب اليمين. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر، والحاكم

<<  <  ج: ص:  >  >>