للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ. متفق عليه.

ــ

أراد الدعاء (اللهم) ، أي يا الله يا (منزل الكتاب) من الإنزال. وقيل: من التنزيل والمراد بالكتاب القرآن. وقيل: الجنس فيشمل سائر الكتب المنزلة على الأنبياء (سريع الحساب) يعني يا سريع الحساب. قال الكرماني: إما أن يراد به أنه سريع حسابه بمجئي وقته، وإما أنه سريع في الحساب أي مسرع حساب الخلق يوم القيامة. قال السندي: قوله: ((منزل الكتاب سريع الحساب)) لكونهما للفصل بين الحق والباطل يقتضيان دفع أهل الباطل وهدم بنيانهم، فينبغي التوسل بهما لذلك - انتهى. ووقع في رواية للشيخين ((منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب)) قيل أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم فبالكتاب إلى القرآن الموعود فيه بالنصر على الكفار قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} (٩: ١٤) فيكون المراد شدة الطلب للنصر كنصره هذا الكتاب بخذلان من يكفر به ويجحده وبمجري السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب تنبيهًا على سرعة إجراء ما يقدره فإنه قدر جريان السحاب على أسرع حال وكأنه يسأل بذلك سرعة النصر والظفر. وبهازم الأحزاب إلى تجريد التوكل واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل من غير حول منا ولا قوة. قال القسطلاني: أو المراد التوسل إليه بنعمة فأشار بالأولى إلى نعمة الدين بإنزال الكتاب وبالثانية إلى نعمة الدنيا وحياة النفوس بإجراء السحاب الذي جعله سببًا في نزول الغيث والأرزاق، وبالثالثة إلى أنه حصل بها حفظ النعمتين فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخروية والدنيوية وحفظهما فأبقهما وقد وقع هذا السجع اتفاقًا من غير قصد - انتهى. وقال الحافظ: وفيه أي في الدعاء التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين وكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية والدنيوية وحفظهما فأبقهما (اللهم اهزم الأحزاب) ، أي اكسرهم وبدد شملهم فهزمهم الله تعالى بأن أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها كما في سورة الأحزاب (اللهم اهزمهم) تأكيد وتعميم (وزلزلهم) قال النووي، أي أزعجهم وحركهم بالشدائد قال أهل اللغة الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس. وقال الحافظ: المراد الدعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقر لهم قرار، وقال الداودي أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا. قال القسطلاني: إنما خص الدعاء عليهم بالهزيمة والزلزلة دون أن يدعو عليهم بالهلاك لأن الهزيمة فيها سلامة نفوسهم وقد يكون ذلك رجاء أن يتوبوا من الشرك ويدخلوا في الإسلام، والإهلاك الماحق لهم مفوت لهذا المقصد الصحيح. وفي رواية الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر زيادة في هذا الدعاء وهي أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا أيضًا فقال: اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الجهاد، والمغازي، والدعوات، والتوحيد، ومسلم في الجهاد، وأخرجه أيضًا أحمد (ج٤: ص٣٥٣، ٣٥٤، ٣٨١) ، والترمذي، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير، وفي عمل اليوم والليلة، وابن ماجه في الجهاد، والحميدي في مسنده (ج٢: ص٣١٤) والبغوي في شرح السنة (ج٥: ص١٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>