وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} .
ــ
هذه الحالة ووفاته على اليهودية والنصرانية سواء فيما فعله من كفران نعمة الله تعالى وترك ما أمر به والانهماك في معصيته وهو من باب المبالغة والتشديد والإيذان لعظمة شأن الحج، ونظيره قوله تعالى:{وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(٣: ٩٧) فإنه وضع فيه ((ومن كفر)) موضع ((ومن لم يحج)) تعظيمًا للحج وتغليظًا على تاركه - انتهى. وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في حجة الله: ترك ركن من أركان الإسلام يشبه الخروج عن الملة، وإنما شبه تارك الحج باليهودي والنصراني، وتارك الصلاة بالمشرك لأن اليهود والنصارى يصلون ولا يحجون، ومشركوا العرب يحجون ولا يصلون - انتهى. وقال المحب الطبري: الإجماع منعقد على أن هذا ليس على ظاهره، وأن من مات من المسلمين ولم يحج وكان قادرًا عليه لا يكون تركه الحج مخرجًا له عن الإسلام، وهو محمول على المستحل لذلك فيكفر به، أو أن فعله أشبه فعل اليهودي والنصراني (وذلك أن الله) أي ما ذكر من شرط الزاد والراحلة والوعيد على ترك هذه العبادة لأن الله (تبارك) تكاثر خير وبره (وتعالى) عظمته وغناه (يقول) أي في كتابه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} أي واجب عليهم {حِجُّ الْبَيْتِ} بفتح الحاء وكسرها لغتان وقراءتان سبعيتان في مصدر حج بمعنى قصد {مَنِ اسْتَطَاعَ} منهم {إِلَيْهِ} أي إلى حج البيت الحرام لأنه المحدث عنه وإن كان يحتمل رجوع الضمير للبيت لكن الأول أولى، والناس عام مخصوص بالمستطيع قد خصص ببدل البعض وهو قوله:{مَنِ اسْتَطَاعَ} لأنه من المخصصات عند الأصوليين، فالحج فرض على المكلف إليه سبيلاً، وهو الذي يقدر على الوصول إليه بأي مركوب يناسبه وزاد يتزوده ولهذا أتى بهذا اللفظ الذي يمكن تطبيقه على جميع المركوبات الحادثة والتي ستحدث وهذا من آيات القرآن حيث كانت أحكامه صالحة لكل زمان وكل حال ولا يمكن الصلاح التام بدونها {سَبِيلاً} أي طريقًا وفسر - صلى الله عليه وسلم - استطاعة الطريق بالزاد والراحلة، رواه عنه غير واحد من الصحابة وسيأتي الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر. قال الشوكاني: اللام في قوله: {لِلّهِ} هي التي يقال لها لام الإيجاب والإلزام ثم زاد هذا المعنى تأكيدًا حرف {عَلَى} فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب كما إذا قال القائل: لفلان على كذا. فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدًا لحقه وتعظيمًا لحرمته، وهذا الخطاب شامل لجميع الناس، لا يخرج منه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد. وقوله:{مَنِ اسْتَطَاعَ} في محل جر على أنه بدل بعض من الناس، وبه قال أكثر النحويين -انتهى. والحديث مع الآية صريح في تشديد الوعيد على من ملك زادًا وراحلة ولم يحج وقد استدل بظاهره من ذهب إلى وجوب الحج على الفور وقال: لو كان على التراخي لما كان للتوعد معنى وأجاب عنه من ذهب إلى أن الحج على التراخي بأنه لا حجة فيه إما على تأويل أنه محمول على المستحل لذلك فيكفر به فظاهر، وإما على تأويل أن فعله أشبه فعل اليهودي والنصراني فغايته أن يدل على تأثيمه، ونحن نقول