ولنا أنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب فلم يكن في أولها كالصيام. والحديث المراد به الاستحباب فإن منطوقه رفع الصوت، ولا خلاف في أنه غير واجب فما هو من ضرورته أولى، ولو وجب النطق لم يلزم كونه شرطًا، فإن كثيرًا من واجبات الحج غير مشترطة فيه، والصلاة في آخرها نطق واجب بخلاف الحج والعمرة. قال: والتلبية في الإحرام مسنونة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأمر برفع الصوت بها، وأقل أحوال ذلك الاستحباب. ثم ذكر حديث: العج والثج، وحديث سهل ابن سعد الآتي في الفصل الثاني، ثم قال: وليست بواجبة، وبهذا قال الحسن بن حي، والشافعي، وعن أصحاب مالك أنها واجبة يجب بتركها دم، وعن الثوري وأبى حنيفة: أنها من شرط الإحرام لا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة، لأن ابن عباس قال في قوله تعالى:{فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} قال ابن عباس: الإهلال، وعن عطاء، وطاوس، وعكرمة: هو التلبية، ولأن النسك عبادة ذات إحرام وإحلال فكان فيها ذكر واجب كالصلاة، ولنا أنها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الأذكار، وفارق الصلاة، فإن النطق يجب في آخرها فوجب في أولها، والحج بخلافه - انتهى. وقال في حدائق الأزهار: وإنما ينعقد (أي الإحرام) بالنية مقارنة لتلبية أو تقليد. قال الشوكاني: أقول: الإحرام هو مصير الشخص من الحالة التي كان يحل له فيها ما يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه فيها ما كان يحل له فيها. ولو لم يكن إلا مجرد الكف عن محظورات الإحرام لكان ذلك معنى معقولاً لكل عاقل، كالصوم فإنه ليس إلا الكف عن تناول المفطرات. فمن قال إنه لا يعقل معنى الإحرام وإنه ليس هناك إلا مجرد النية وإن النية لا تنوى وإلا لزم التسلسل، فقد أخطأ خطأ بينًا ومعلوم أن الشريعة المطهرة بعضها أوامر وبعضها نواه، والتعبد في النواهي ليس إلا بالكف فيلزمه أن يطرد هذا التشكيك الركيك في شطر الشريعة. وأما إيجاب النية فقد عرفناك غير مرة أن كل عمل يحتاج إلى النية والعمل يشمل الفعل والترك والقول والفعل، وعرفناك أن ظاهر الأدلة يقتضي أن النية شرط في جميع ما تقدم من العبادات لدلالة أدلتها على أن عدمها يؤثر في العدم، وهذا هو معنى الشرط عند أهل الأصول. وأما كون النية تقارن التلبية فقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دواوين الإسلام من غير وجه أنه أهل ملبيًا. وقد قدمنا لك أن أفعاله وأقواله في الحج محمولة على الوجوب لأنها بيان لمجمل القرآن وامتثال لأمره - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن يأخذوا عنه مناسكهم. فمن ادعى في شيء منها أنه غير واجب فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل. وأما كونها تقارن التقليد فلما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في عام الحديبية ((أنه لما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة)) . وقال في غنية الناسك بعد ذكر صفة التلبية وحكمها وذكر كيفية الإحرام، والحاصل أن التلبية: فرض، وسنة، ومستحب، ومؤكد، ومندوب، فالفرض: مرة واحدة عند الإحرام والزيادة على المرة سنة، وعند تغير الحالات مستحب مؤكد، والإكثار منها من غير تغير مندوب - انتهى. وقال الحافظ في الفتح: في التلبية مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة الأول: أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد، ثانيها: واجبة، ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن