للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأهل بالعمرة ثم بالحج.

ــ

(فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) بيان لقوله: تمتع، وظاهره أنه أدخل الحج على العمرة، وقال السندي: إن التمتع عند الصحابة كان شاملاً للقران أيضًا، وإطلاقه على ما يقابل القران اصطلاح حادث، وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، فالوجه أن يراد بالتمتع ها هنا في شأنه - صلى الله عليه وسلم - القران توفيقًا بين الأحاديث، والمعنى: انتفع بالعمرة إلى أن حج مع الجمع بينهما في الإحرام، ومعنى قوله: بدأ بالعمرة أنه قدم العمرة ذكرًا في التلبية فقال: لبيك عمرة وحجًا - انتهى. وقال القاضي قوله: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلخ هو محمول على التمتع اللغوي وهو القران آخرًا، ومعناه أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم أولاً بالحج مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا في آخر أمره. والقارن: هو متمتع من حيث اللغة ومن حيث المعنى، لأنه ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل، ويتعين هذا التأويل هنا للجمع بين الأحاديث في ذلك، قلت: الحديث مشكل على من ذهب إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا أولاً وآخرًا ولم يكن متمتعًا ولا قارنًا، فقال المهلب لدفع هذا الإشكال أن قوله: ((تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) إلخ معناه أمر بذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن ويقول: إنه كان مفردًا، وأما قوله: ((بدأ فأهل بالعمرة)) فمعناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولاً ويقدموها قبل الحج، قال: ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر وقال ابن المنير: إن حمل قوله: ((تمتع)) على معنى ((أمر)) من أبعد التأويلات، والاستشهاد عليه بقوله: ((رجم)) وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات، لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه، وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه، ثم أجاز تأويلاً آخر وهو: أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله: ((خذوا عني مناسككم)) فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - تمتع فأطلق ذلك، قال الحافظ: ولا يتعين هذا أيضاً بل يحتمل أن يكون معنى قوله: ((تمتع)) محمولاً على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره. قال النووي: إن هذا هو المتعين. قال: وقوله: ((بالعمرة إلى الحج)) أي بإدخال العمرة على الحج - انتهى. والحديث مشكل أيضًا على من قال إنه - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا في أول الأمر ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا. قال الحافظ: وإنما المشكل هنا قوله: فبدأ بالعمرة ثم أهل بالحج. لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولاً بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس، وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال، أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال: لبيك بعمرة وحجة معًا. وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس فيحتمل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث: ((وتمتع الناس)) إلخ. فإن الذين تمتعوا إنما بدأوا بالحج، ولكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم - انتهى. وقال القاضي: قوله: ((بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) إلخ. محمول على التلبية في أثناء الإحرام وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج، لأنه يفضي إلى مخالفة الأحاديث

<<  <  ج: ص:  >  >>