استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك،
ــ
ظاهر النصوص أن هاتين الركعتين كانت لفريضة الظهر لا تحية الإحرام ولا للفجر وبه صرح ابن القيم في الهدي حيث قال: لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر، وقال: المحفوظ أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر، وقال أيضاً: قد قال ابن عمر: ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره، وقد قال أنس: إنه صلى الظهر ثم ركب، والحديثان في الصحيح فإذا جمعت أحدهما إلى الآخر تبين أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر - انتهى ملخصًا. وقال ابن تيمية في مناسكه: يستحب أن يحرم عقيب صلاة إما فرض، وإما تطوع إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الآخر إن كان يصلي فرضًا أحرم عقيبه وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه وهذا أرجح، (أهل) أي رفع صوته (بهؤلاء الكلمات) يعني التلبية المشهورة، وقد تقدمت في الفصل الأول من حديث ابن عمر (ويقول) أي يزيد عبد الله ابن عمر أو أبوه عمر ابن الخطاب ففي رواية لمسلم: كان عبد الله بن عمر يقول (أي بعد رواية التلبية المشهورة) : هذه تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال نافع: كان عبد الله (بن عمر) يزيد مع هذا: لبيك، لبيك، لبيك وسعديك، إلخ. وفي رواية أخرى لمسلم (وهي رواية الباب) بعد قوله: ((أهل بهؤلاء الكلمات)) : وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول (أي يزيد) : لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، إلخ. وهكذا ذكر الجزري في جامع الأصول (ج٣: ص٤٤١) ، ولأحمد (ج٢: ص١٣١) بعد ذكر التلبية المشهورة ((قال أي عبد الله بن عمر وسمعت عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويزيد فيها: لبيك وسعديك)) إلخ. قال الحافظ بعد ذكر الروايتين: فعرف أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة: قال كانت تلبية عمر، فذكر مثل المرفوع وزاد:((لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن)) - انتهى. ورواية المصابيح انتهت على قوله:((أهل بهؤلاء الكلمات يعني التلبية)) وقوله: ((ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك)) إلخ. هو مما زاده المصنف وقد ذكره بحيث يتبادر منه أن هذه الزيادة أيضًا مرفوعة، وهذا اختصار من المصنف مخل أو زيادة منه موهمة فليتنبه لذلك، (لبيك اللهم لبيك، لبيك) ثلاث مرات مع الفصل بين الأولى والثانية بلفظ: ((اللهم)) كما في المرفوع، وفي رواية الموطأ، وأبى داود، وفي رواية لمسلم أيضًا ثلاث مرات في زيادة ابن عمر لكن بدون الفصل (وسعديك) هو من باب لبيك، فيأتي فيه ما سبق، ومعناه أسعدني إسعادًا بعد إسعاد، فالمصدر فيه مضاف للفاعل وإن كان الأصل في معناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد، على أن المصدر فيه مضاف للمفعول. وقيل: المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة، فيكون من المضاف للمنصوب، قال عياض: إعرابها وتثنيتها كما في لبيك، ومعناه مساعدة لطاعتك بعد مساعدة. وقال المازري: وقيل: معناه أسعدنا سعادة بعد سعادة وإسعادًا بعد إسعاد، وكذلك قال ابن العربي: إنه سؤال من الله السعد وتأكيد فيه، وقال إبراهيم الحربي: لم يسمع سعديك مفردًا (أي عن لبيك) وهو من المصادر المنصوبة بفعل مضمر.