لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن
ــ
الحج. قال السندي: قوله ((لا ننوي إلا الحج)) أي أول الأمر ووقت الخروج من البيوت وإلا فقد أحرم بعض بالعمرة أو هو خبر عما كان عليه حال غالبهم، أو المراد أن المقصد الأصلي من الخروج كان الحج وإن نوى بعض العمرة – انتهى. (لسنا نعرف العمرة) هو تأكيد للحصر السابق قبل. قال القاضي: أي لا نرى العمرة في أشهر الحج استصحابًا لما كان من معتقدات أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يرون العمرة محظورة في أشهر الحج ويعتمرون بعد مضيها. وقيل: معناه ((ما قصدناها ولم تكن في ذكرنا)) وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في شرح حديث عائشة الذي فيه ذكر انقسام الناس بين مفرد ومتمتع وقارن (حتى إذا أتينا البيت معه) أي وصلناه بعد ما نزل بذي طوى وبات بها واغتسل فيها ودخل مكة من الثنية العليا صبيحة الأحد رابع ذي الحجة وقصد المسجد من شق باب السلام ولم يصل تحية المسجد لأن تحية البيت المقصود منه هو الطواف، فمن ثم استمر - صلى الله عليه وسلم - على مروره في ذلك المقام حتى (استلم الركن) أي الركن الأسود وإليه ينصرف الركن عند الإطلاق، وفي رواية أحمد وابن الجارود ((الحجر الأسود)) والاستلام افتعال من السلام بمعنى التحية، وأهل اليمن يسمون الركن بالمحيا لأن الناس يحيونه بالسلام، وقيل من السلام بكسر السين، وهي الحجارة واحدتها سلِمة بكسر اللام، يقال: استلم الحجر إذا لثمه وتناوله، والمعنى: وضع يديه عليه وقبله، واستلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الركن اليماني أيضًا في هذا الطواف كما في حديث ابن عمر ولم يقبله، وإنما قبل الحجر الأسود وذلك في كل طوفة. قلت: والسنة في الحجر الأسود تقبيله إن تيسر ذلك، فإن شق التقبيل استلمه بيده وقبلها، وإلا استلمه بنحو عصا وقبلها وإلا أشار إليه، ولا يقبل ما يشير به ولا يشرع شيء من هذا في الأركان الأخرى إلا الركن اليماني فإنه يحسن استلامه أي لمسه فقط، وفي المواهب وشرحه للزرقاني: واعلم أن للبيت أربعة أركان، الأول له فضيلتان، كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم أي أساس بنائه، وللثاني وهو الركن اليماني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما فلذلك يقبل الأول كما في الصحيحين عن ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - قبل الحجر الأسود. وفي البخاري عن ابن عمر: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله. ويستلم الثاني فقط لما في الصحيح عن ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني. ولا يقبل الآخران ولا يستلمان إتباعًا للفعل النبوي لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، هذا على قول الجمهور. واستحب بعضهم تقبيل اليماني أيضًا، وأجاب الشافعي عن قول من قال كمعاوية ((وقد قبل الأربعة: ليس شيء من البيت مهجورًا)) فرد عليه ابن عباس فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا، ولو كان ترك استلامهما هجرًا لها لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها، ولا قائل به. وروى الشافعي عن ابن عمر قال: استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجر الأسود فاستلمه أي مسح بيده عليه ثم وضع شفتيه عليه طويلاً يقبله. ومفاده استحباب الجمع بينهما – انتهى. ويسن عند التكبير عند الركن