للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تكون للنجاة وسيلة

ــ

المعتبرة أن غالب الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كالصلاة، فإنها مفتتحة بالتكبير والحج وغير ذلك، فإن قلت: لكن رواية بحمد الله أثبت من رواية بذكر الله، قلت: صحيح، ولكن لِمَ قلت: إن المقصود بحمد الله خصوص لفظ الحمد، ولِمَ لا يكون المراد ما هو أعم من لفظ الحمد والبسملة؟ ويدل على ذلك ما ذكرت لك من الأعمال الشرعية التي لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه - انتهى كلام السبكي.

قوله (الحمد لله) الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، أتى بالجملة الاسمية واسم الذات للدلالة على الدوام والثبات. وقوله (الحمد لله) مطلق يتناول حمد الله تعالى نفسه، وأرفع حمد ما كان من أرفع حامد وأعرفهم بالمحمود وأقدرهم على إيفاء حقه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)) ، ويتناول حمد الحامدين له تعالى من ابتداء الخلق إلى انتهاء قولهم ((وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)) ، (نحمده) استئناف، فأولاً أثبت الحمد له بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام، سواء حمد أو لم يحمد، فهو إخبار متضمن للإنشاء، ثانياً أخبر عن حمده وحمد غيره معه بالجملة الفعلية التي للتجديد والحدوث بحسب تجدد النعماء وتعدد الآلاء وحدوثها في الآناء، وإظهار لتخصيص حمده لكن باستعانته، ونفى الحول والقوة ودفع الرياء والسمعة من نفسه، ومن ثم أتبعه بقوله: ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)) وحاصل وجه التخصيص أنه تعالى لما كان مستحقاً للحمد بإسباغ أنوع النعم علينا فلا بد أن نحمده، وأورد صيغة الجمع ليشمل جميع الخلق الجسماني والروحاني في الدارين، وقال الطيبي: الضمير المستكن في نحمده ونستعينه ونستغفره للمتكلم ومن معه من أصحابه الحاضرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. (ونستعينه) أي في أداء الحمد وغيره من الأمور الدنيوية والأخروية، وفيه إشارة إلى أن حمده تعالى أمر لا يتيسر من الخلائق أجمعين إلا بإعانته تعالى، فيكون تبرياً عن الحول والقوة. (ونستغفره) أي من سيئاتنا وتقصيراتنا ولو في أداء ذلك احمد، كما هو حقه من الصدق والإخلاص. (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) أي من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت الأنفس عليها، ومنها التقصير في الصدق والإخلاص، أي الحمد مع الرياء والسمعة، وكذا مع إثبات الحول والقوة. (ومن سيئات أعمالنا) أي من مباشرة الأعمال السيئة الظاهرة التي تنشأ عنها، والمراد منها هو التصدي للتصنيف في علم الحديث مع قصور في تصحيح الطية وإخلاص الطوية، أو التقصير في الشكر على توفيقه تعالى لهذه النعمة العظيمة والمنحة الجليلة، أو التكلم بما لا يعنيه والغفلة عن ذكر الله تعالى، أو التهاون في الطاعات والعبادات وارتكاب المكروهات والمحرمات مطلقاً، والأول أظهر. فتعوذ - رحمه الله - من ذلك لحصول الإخلاص. (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) لما أضيف الشرور والأعمال إلى الأنفس أوهم أن لها الاختيار والاستقلال بالأعمال، أتبعه بقوله (من يهده الله ... ) الخ ليؤذن بأن كل ذلك منه تعالى، وليس للعبد إلا الكسب، وبعد الكسب الشقي والسعيد على حسب علمه الأزلي سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>