عبد الرحمن بن أبي بكر، وأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم.
ــ
وهي ليلة الأربعاء رابع عشرة ذي الحجة (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق القرشي التيمي يكنى أبا عبد الله، وقيل بل يكنى أبا محمد، وقيل أبا عثمان، أمه أم رومان والدة عائشة فهو شقيقها، وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، وقيل عبد العزى، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتأخر إسلامه إلى أيام الهدنة، فأسلم وحسن إسلامه. وقيل: إنما أسلم يوم الفتح هو ومعاوية في وقت واحد. ويقال: إنه شهد بدرًا مع المشركين ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: متعنا بنفسك، ثم أسلم وحسن إسلامه، وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هدنة الحديبية، وكان أسن ولد أبي بكر. قال الزبير بن بكار: كان رجلاً صالحًا وكانت فيه دعابة. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب في حديث ذكره أن عبد الرحمن بن أبي بكر لم يجرب عليه كذبة قط. وقال ابن عبد البر: كان من أشجع رجال قريش وأرماهم بسهم، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من كبارهم منهم محكم اليمامة ابن طفيل، رماه بسهم في نحره فقتله. وأخرج الزبير عن عبد الله بن نافع قال: خطب معاوية فدعا الناس إلى بيعة يزيد فكلمه الحسين بن عليّ وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال له عبد الرحمن: أهرقلية كلما مات قيصر كان قيصر مكانه؟ لا نفعل والله أبدًا. وبعث إليه معاوية بعد ذلك بمائة ألف درهم فردها؛ وقال: لا أبيع ديني بدنياي. وخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد، وكان موته فجأة من نومة نامها بمكان على عشرة أميال من مكة. وقيل: توفي بحبشى، وهو على اثني عشر ميلاً من مكة فحمل إلى مكة فدفن بها. ولما بلغ عائشة خبره خرجت حاجة فوقفت على قبره وأنشدت أبيات متمم بن نويرة في أخيه مالك:
وكنا كندماني جذيمة حقبة _ ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكًا _ ... بطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
ثم قالت: لو حضرتك دفنتك حيث مت. روى عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث منها في الصحيح، وعن أبيه وروى عنه ابنه عبد الله وحفصة وابن أخيه القاسم بن محمد وغيرهم. قال الخزرجي: له ثمانية أحاديث اتفقا على ثلاثة، مات سنة ثلاث وخمسين، قاله ابن سعد. وقيل بعد ذلك (وأمرني أن أعتمر مكان عمرتي) أي بدلها، نصب على المصدر. قاله ابن الملك. أي عمرتي التي تركتها (من التنعيم) متعلق بأعتمر، وزاد في رواية عند الشيخين وغيرهما. ((فاعتمرت فقال: هذه (أي العمرة) مكان عمرتك)) . قال الزرقاني: بالرفع على الخبرية وبالنصب على الظرفية وعامله محذوف، وهو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك. قال عياض: والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف، إنما أراد عوض عمرتك. فمن قال: كانت قارنة، قال: مكان عمرتك التي أردت أن تأتي بها مفردة، وحينئذٍ فتكون عمرتها من التنعيم تطوعًا لا عن فرض لكنه أراد تطييب نفسها بذلك. ومن قال: كانت مفردة قال: مكان عمرتك التي فسخت الحج إليها. ولم