وعز الإسلام. وقال الحافظ: قيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه، وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها، وقيل لأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج منها مختفيًا في الهجرة، فأراد أن يدخلها ظاهرًا عاليًا، وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلاً للبيت، ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك. والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس: لا أُسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقلت: ما هذا؟ قال: شيء طلع بقلبي، وإن الله لا يطلع الخيل هناك أبدًا. قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل. وللبيهقي من حديث ابن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: كيف قال حسان؟ فأنشده:
عدمت بنيتي إن لم تروها _ ... تثير النقع مطلعها كداء
فتبسم وقال: ادخلوها من حيث قال حسان – انتهى. والحديث يدل على استحباب دخول مكة من أعلاها أي الثنية العليا والخروج من أسفلها، وبه قال جمهور العلماء، وهل يسن الدخول من الثنية العليا لكل داخل سواء كانت تلقاء طريقه أم لم تكن في طريقه؟ فذهب أبو بكر الصيدلاني وجماعة من الشافعية، واعتمده الرافعي إلى أنه إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه، وأما من لم تكن في طريقه فقالوا: لا يستحب له العدول إليها، وذهب النووي إلى أن الدخول منها نسك مستحب لكل أحد، وصوبه وصححه وهو ما مشى عليه في المجموع وزوائد الروضة، واعتمده المتأخرون منهم. قال النووي في شرح المهذب: واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أصحابنا أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل محرم داخل مكة سواء كانت في صوب طريقه أم لم تكن، ويعتدل إليها من لم تكن في طريقه. وقال الصيدلاني والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والبغوي والمتولي: إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه، وأما من لم تكن في طريقه فقالوا: لا يستحب له العدول إليها، قالوا: وإنما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - اتفاقًا لكونها كانت في طريقه، هذا كلام الصيدلاني وموافقيه، واختاره إمام الحرمين ونقله الرافعي عن جمهور الأصحاب، وقال الشيخ أبو محمد الجويني: ليست العليا على طريق المدينة بل عدل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - متعمدًا لها، قال: فيستحب الدخول منها لكل أحد. قال: ووافق إمام الحرمين الجمهور في الحكم ووافق أبا محمد في أن موضع الثنية كما ذكره. وهذا الذي قاله أبو محمد من كون الثنية ليست على نهج الطريق بل عدل إليها هو الصواب الذي يقضي به الحس والعيان، فالصحيح استحباب الدخول من الثنية العليا لكل محرم قصد مكة سواء كانت في طريقه أم لا، وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر ومقتضى إطلاقه فإنه قال: ويدخل المحرم من ثنية كداء، ونقله صاحب البيان عن عامة الأصحاب – انتهى. وقال ابن جاسر: لم أر من تعرض لهذا البحث من أصحابنا الحنابلة، وظاهر كلامهم يقتضي سنية ذلك لإطلاقهم سنية الدخول من أعلاها من ثنية كداء، ولكن ينبغي تقييد هذا الإطلاق بما إذا كانت ثنية كداء إزاء طريقه، أما إذا لم تكن في طريقه فلا يستحب له