وأنت راكبة ". فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جنب البيت،
ــ
بدابتها، ولأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف، وقال الباجي: طواف النساء وراء الرجال لهذا الحديث ولم يكن لأجل البعير، فقد طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعيره يستلم الركن بمحجن، وهذا يدل على اتصاله بالبيت، لكن من طاف غيره من الرجال على بعير فيستحب له إن خاف أن يؤذي أحدًا أن يبعد قليلاً، وإن لم يكن حول البيت زحام، وأمن أن يؤذي أحدًا فليقرب كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما المرأة فإن من سنتها أن تطوف وراء الرجال. انتهى. وفي الحديث جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر ويلتحق بالراكب المحمول وقد تقدم الكلام في ذلك (وأنت راكبة) أي على بعيرك كما في رواية هشام عند البخاري عن عروة عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ". ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت – انتهى. وقد علم من هذه الرواية أن القصة لطواف الوداع، ويدل عليه أيضًا رواية النسائي عنها قالت " يا رسول الله والله ما طوفت طواف الخروج، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقيمت الصلاة فطوفي ". قال القاري: فيه دلالة على أن الطواف راكبًا ليس من خصوصياته عليه الصلاة والسلام (فطفت) أي راكبة من وراء الناس (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي) أي بالناس صلاة الصبح كما تدل عليه رواية البخاري المذكورة (إلى جنب البيت) أي متصلاً إلى جدار الكعبة، وفيه تنبيه على أن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - كانوا متحلقين حولها، وفيه دلالة على أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه بالجماعة كانت بفناء الكعبة وأن طوافها كان وراء المصلين، وفيه أن من طاف راكبًا يتوخى خلوة المطاف لئلا يهوش على الطائفين، واستدل بالحديث المالكية على طهارة بول ما يؤكل لحمه وهو المشهور عن أحمد خلافًا لما ذهب إليه الحنفية والشافعية قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب. وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع الحاجة أي في غيرها ولا على عدم الجواز مع عدم الحاجة فيها. قال الحافظ: بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول، وقد قيل: إن ناقته - صلى الله عليه وسلم - كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث، وهي سائرة، فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك، والله أعلم. وقال النووي: هذا الحديث لا دلالة فيه (أي على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه كما هو مذهب مالك وأحمد) لأنه ليس من ضرورة أنه يبول أو يروث في حال الطواف وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله ينظف المسجد منه كما أنه - صلى الله عليه وسلم - أقر إدخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم بل قد وجد ذلك، ولأنه لو كان ذلك محققًا لنزه المسجد منه، سواء كان نجسًا أو طاهرًا لأنه مستقذر – انتهى. وقال الشوكاني: ويرد ذلك (أي استدلال أصحاب مالك وأحمد بهذا الحديث على طهارة بول مأكول اللحم وروثه) بوجوه: أما أولاً فلأنه لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم. وأما ثانيًا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير أن يبول. وأما ثالثًا فلأنه يطهر