وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ". رواه مسلم.
ــ
((ما يوم أكثر)) والمجروران بعده مبنيان، فمن يوم عرفة، مبين للأكثرية مما هي، و ((من أن يعتق)) مبين للمبين. قال: والحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة وهو كذلك. ولو قال رجل ((امرأتي طالق في أفضل الأيام)) فلأصحابنا وجهان، أحدهما: تطلق يوم الجمعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير يوم طلعت في الشمس يوم الجمعة)) والثاني: وهو الأصح أنها تطلق يوم عرفة لهذا الحديث، ويتأول حديث يوم الجمعة على أن معناه أنه أفضل أيام الأسبوع. قيل الحديث يدل على فضل يوم عرفة لا على أنه أفضل لما ثبت من أن المفضول قد يختص بخاصية ليست في الأفضل ولا يكون بسبب تلك الخاصية أفضل، فأكثرية العتق فيه لا تدل على أنه أفضل. وأيضًا فإنما دل على أنه لا يكون العتق في غيره أكثر، وذلك لا يدل على نفي المساواة إلا أن يضاف إلى ذلك ما يقع فيه من المباهاة، سلمنا أن أكثرية العتق تدل على أنه أفضل، لكن أفضل من الأيام التي يقع فيها العتق، لا أنه أفضل الأيام مطلقًا، فتأمل (وإنه) أي سبحانه وتعالى (ليدنو) قال المازري: أي تدنو رحمته وكرامته لا دنو مسافة ومماسة، وقال القاضي: وقد يريد دنو الملائكة إلى الأرض أو إلى السماء بما ينزل معهم من الرحمة عن أمره سبحانه وتعالى. وقال التوربشتي: أي يدنو منهم في موقفهم بفضله ورحمته وفي تخصيص لفظ الدنو تنبيه على كمال القرب لأن الدنو من أخص أوصاف القرب (ثم يباهي بهم) أي بالحجاج (الملائكة) قال بعضهم: أي يظهر على الملائكة فضل الحجاج وشرفهم. وقال التوربشتي: المباهاة هو المفاخرة وهي موضوعة للمخلوقين فيما يترفعون به على أكفاءهم، وتعالى الله الملك الحق عن التعزز بما اخترعه ثم تعبده، وإنما هو من باب المجاز أي يحلهم من قربه وكرامته بين أولئك الملأ محل الشيء المباهى به. ويحتمل أن يكون ذلك في الحقيقة راجعًا إلى أهل عرفة أي ينزلهم من الكرامة منه منزلة يقتضي المباهاة بينهم وبين الملائكة، وإنما أضاف العمل إلى نفسه تحقيقًا لكون ذلك عن موهبته، والله أعلم – انتهى. قلت: الحديث محمول على ظاهره من غير تأويل وتكييف كما هو مذهب السلف الصالح في النزول والعلو وغيرهما من الصفات من إمرارها على ظاهرها وتفويض الكيفية إلى علمه سبحانه وتعالى، فالدنو والمباهاة معناهما معلوم، والكيفية مجهولة، فنقول: إنه تعالى يدنو من عباده عشية عرفة بعرفات ويباهي بهم الملائكة كيف يشاء (فيقول: ما أراد هؤلاء؟) قال القاري: أي أي شيء أراد هؤلاء حيث تركوا أهلهم وأوطانهم وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم أي ما أرادوا إلا المغفرة والرضاء والقرب واللقاء، ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد، أو التقدير: ما أراد هؤلاء فهو حاصل لهم ودرجاتهم على قدر مراداتهم ونياتهم. أو أي شيء أراد هؤلاء؟ أي شيئًا سهلاً يسيرًا عندنا إذ مغفرة كف من التراب لا يتعاظم عند رب الأرباب – انتهى. قال الأبي: لما كان الاستفهام على الله تعالى محالاً تأولوه بذلك، ويحتمل أنه استنطاق. (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والحاكم (ج ١: ص ٤٦٤) والبيهقي (ج ٥: ص ١١٨) .