الحرم فأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة ويقولون نحن قطين الله يعنى سكان (بيت) الله، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات فأنزل الله تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}(٢: ١٩٩) والحمس هم أهل الحرم – انتهى. قال السندي: قوله {ثم أفيضوا} أي أيها القريش {من حيث أفاض الناس} أي غيركم وهو عرفات والمقصود أي ارجعوا من ذلك المكان، ولا شك أن الرجوع من ذلك المكان يستلزم الوقوف فيه، لأنه مسبوق به فلزم من ذلك الأمر بالوقوف من حيث وقف الناس وهو عرفة. قال الحافظ: دل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى {ثم أفيضوا} الإفاضة من عرفة، وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها ذكرت بلفظة ثم بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام، وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر تنبيهًا على المكان الذي تشرع الإفاضة منه، فالتقدير: فإذا أفضتم اذكروا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس لا من حيث كان الحمس يفيضون، أو التقدير: فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا الله عنده، ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض فيه الناس غير الحمس، ثم قال الحافظ: وأما الإتيان في الآية بقوله ثم فقيل هي بمعنى الواو وهذا اختيار الطحاوي، وقيل لقصد التأكيد لا لمحض الثرتيب، والمعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام، ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون. قال الزمخشري: وموقع ثم ها هنا موقعها من قولك: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، فتأتى ثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال ((ثم أفيضوا)) لتفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ. قال الخطابي: تضمن قوله تعالى ((ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} (٢: ١٩٩) الأمر بالوقوف بعرفة، لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله، وكذا قال ابن بطال وزاد: وبين الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه – انتهى. وروى البخاري من حديث عروة عن عائشة قالت: إن هذه الآية نزلت في الحمس {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كانوا (أي الحمس) يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات. قال الحافظ: المعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها. قال: وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى {أفيضوا} النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم. وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل عليه السلام وعنه المراد به الإمام وعن غيره آدم، وقرئ في الشواذ الناسي بكسر السين بوزن القاضي والأول أصح، نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفًا بعرفة فأتى ابن مربع – الحديث، وقد تقدم. ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله {من حيث أفاض الناس} بل هو الأعم من ذلك والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي تفسير سورة البقرة، ومسلم في الحج وأخرجه أيضًا فيه