للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فما الذي أضحكك، أضحك الله سنك. قال: " إن عدو الله إبليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائي وغفر لأمتي، أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه، ويدعو بالويل والثبور، فأضحكني ما رأيت من جزعه ".

ــ

وإلا لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الساعة قبل، لأنه لم يحج إلا أول حجها، وإن قيل إنه - صلى الله عليه وسلم - قد حج قبل عهد الإسلام فأبو بكر وعمر لم يرياه، كذا في اللمعات (أضحك الله سنك) أي أدام الله لك السرور الذي سبب ضحكك (فجعل يحثوه على رأسه) أي يلقي التراب بكفيه على رأسه (ويدعو بالويل) أي العذاب (والثبور) بضم الثاء أي الهلاك يعني يقول: وا ويلاه ويا ثبوراه. قال الطيبي: كل من وقع في تهلكة دعا بالويل والثبور أي يا هلاكي وعذابي احضر فهذا أوانك. وقال الطبري: الويل الحزن والهلاك المشقة وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه يا حزني ويا عذابي ويا هلاكي احضر فهذا وقتك، فكأنه نادى الويل أن يحضره بما عرض له، والثبور هو الهلاك، وقد ثبر يثبر ثبورًا إذا هلك (فأضحكني ما رأيت من جزعه) أي مما صدر من فضل ربي على رغمه. قال القاري: وظاهر الحديث عموم المغفرة وشمولها حق الله وحق العباد إلا أنه قابل للتقييد بمن كان معه - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة (يعني المراد من الأمة هم الواقفون معه - صلى الله عليه وسلم - بعرفة) أو بمن قبل حجه بأن لم يرفث ولم يفسق. ومن جملة الفسق الإصرار على المعصية وعدم التوبة، ومن شرطها أداء حقوق الله الفائتة كالصلاة والزكاة وغيرهما وقضاء حقوق العباد المالية والبدنية والعرضية اللهم إلا أن يحمل على حقوق لم يكن عالمًا بها أو يكون عاجزًا عن أدائها. قال: ولا تغتر بكون هذا الحديث مجملاً مع اعتقاد أن فضل الله واسع، وقد قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (٤: ٤٨، ١١٦) ?ولذا قال عليه الصلاة والسلام: أي رب إن شئت، فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون. ثم قال القاري بعد ذكر الكلام في هذا الحديث وما ورد في معناه من الروايات قال: بعضهم إذا تأملت ذلك كله علمت أنه ليس في هذه الأحاديث ما يصلح متمسكًا لمن زعم أن الحج يكفر التبعات لأن الحديث ضعيف، على أنه ليس نصًا في المدعى لاحتماله ومن ثمة قال البيهقي: يحتمل أن تكون الإجابة إلى المغفرة بعد أن يذيقهم شيئًا من العذاب دون ما يستحقه فيكون الخبر خاصًا في وقت دون وقت، يعني ففائدة الحج حينئذ التخفيف من عذاب التبعات في بعض الأوقات دون النجاة بالكلية، ويحتمل أن يكون عامًا ونص الكتاب يدل على أنه مفوض إلى مشيئته تعالى. وحاصل هذا الأخير أنه بفرض عمومه محمول على أن تحمله تعالى التبعات من قبيل {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وهذا لا تكفير فيه وإنما يكون فاعله تحت المشيئة فشتان ما بين الحكم بتكفير الذنوب وتوقفه على المشيئة ولذا قال البيهقي: فلا ينبغي لمسلم أن يغر نفسه بأن الحج يكفر التبعات فإن المعصية شؤم، وخلاف الجبار في أوامره ونواهيه عظيم. قال: وهذا لا ينافي

<<  <  ج: ص:  >  >>