" إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، هدينا مخالف لهدي عبدة الأوثان والشرك ".
ــ
في تهذيب التهذيب: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وعن أبي هريرة وعائشة وعن أمه عن عائشة، روى عنه ابنه حكيم وعبد الله بن كثير بن المطلب ومحمد بن عجلان ومحمد بن إسحاق وابن جريج وغيرهم. قال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العسكري أنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير. وقال في الإصابة في ترجمته: ذكره العسكري وقال: لحق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكره ابن أبي داود والباوردي في الصحابة، وجزم البغوي وابن مندة وغيرهما بأن حديثه مرسل يعني فهو من التابعين. وروى أيضًا عن أبيه وعمر، وروى أيضًا عن أمه وعن عائشة – انتهى. وذكره المصنف في التابعين، فالحديث مرسل (إن أهل الجاهلية) أي غير قريش (كانوا يدفعون) أي يرجعون (في وجوههم) الجار متعلق بتكون وجملة التشبيه معترضة (قبل أن تغرُب) بضم الراء، ظرف ليدفعون أو بدل من حين، نقل الطيبي عن القاضي شبه ما يقع من ضوء الشمس على الوجه طرفي النهار حين ما دنت الشمس من الأفق بالعمامة لأنه يلمع في وجهه لمعان بياض العمامة – انتهى. وقيل المراد كأن الشمس حين غاب نصفها عمامة على رأس الجبل، لأن شكل العمامة شكل نصف الكرة فإن قلت: قوله " في وجوههم " يدل على ما ذكره الطيبي قلت: نعم إن كان متعلقاً بقوله تكون الشمس وليس بمتعين بل يحتمل أن يتعلق بعمائم الرجال ظرفًا مستقرًا. كذا في اللمعات، وقال القاري: قال بعض الشراح قوله " حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم " أي حين تكون الشمس في وجوههم كأنها عمائم الرجال، وذلك بأن يقع في الجهة التي تحاذي وجوههم، وإنما لم يقل " على رؤوسهم " لأن في مواجهة الشمس وقت الغروب إنما يقع ضوئها على ما يقابلها ولم يتعد إلى ما فوقه من الرأس لانحطاطها، وكذا وقت الطلوع، وإنما شبهها بعمائم الرجال لأن الإنسان إذا كان بين الشعاب والأودية لم يصبه من شعاع الشمس إلا الشيء اليسير الذي يلمع في جنبيه لمعان بياض العمامة والظل يستر بقية وجهه وبدنه، فالناظر إليه يجد ضوء الشمس في وجهه مثل كور العمامة فوق الجبين، والإضافة في " عمائم " لمزيد التوضيح كما قاله الطيبي أو للاحتراز عن نساء الأعراب فإن على رؤوسهن ما يشبه العمائم كما قاله ابن حجر – انتهى كلام القاري. (ومن المزدلقة) أي يرجعون (وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس) فيكره النفر قبل ذلك عند بعضهم، والأكثرون على أن الجمع بين الليل والنهار واجب (وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس) أي عند الإسفار فيكره المكث بها إلى طلوع الشمس اتفاقًا (هدينا) أي سيرتنا وطريقتنا (والشرك) أي أهله، والجملة استينافية فيها معنى