الذي يجزئ فيه رمي جمرة العقبة هو ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر، واستدل لهم بحديث عائشة الذي ذكره المصنف بعد هذا وهو حديث صحيح، ويعتضد هذا بما رواه الخلال من طريق سليمان بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال أخبرتني أم سلمة قالت: قدمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميت بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى، كذا ذكره ابن القيم. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أول وقته من بعد طلوع الفجر، وأول الوقت المستحب بعد طلوع الشمس وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا إساءة، فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة واستدل لذلك بما رواه الطحاوي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين، وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في الثقل وقال: لا ترموا الجمار حتى تصبحوا، وذهب النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور إلى أن أول وقته يبتدئ من بعد طلوع الشمس فلا يجوز رميها عندهم لا بعد طلوع الشمس، واستدلوا لذلك بحديث ابن عباس الذي نحن في شرحه. قالوا: إذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى، وأجاب الحنفية عن هذا بأنه محمول على بيان الوقت المستحب والفضيلة، وما رواه الطحاوي فيه بيان وقت الجواز، وأما حديث عائشة الآتي في قصة أم سلمة فأجابوا عنه بأنه ليس فيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام علم ذلك وأقرها عليه ولا أنه أمرها أن ترمي ليلاً، ويمكن أن يراد بقوله " فرمت قبل الفجر " أي قبل صلاة الفجر، وقيل: إن حديث أم سلمة رخصة خاصة لها، وذهب بعض أهل العلم إلى أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس وهو اختيار ابن القيم واستدل لذلك بحديث أسماء عند الشيخين أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلقة فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن – انتهى. فهذا الحديث صريح أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الشمس بل بغلس، وقد صرحت بأنه - صلى الله عليه وسلم - أذن في ذلك للظغن، ومفهومه أنه لم يأذن للأقوياء الذكور، واستدل لذلك أيضًا بحديث ابن عمر عند الشيخين أيضًا أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله عز وجل ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - – انتهى. وهذا يدل دلالة واضحة على الترخيص للضعفة في رمي جمرة العقبة بعد الصبح قبل طلوع الشمس كما ترى. ومفهومه أنه لم يرخص لغيرهم في ذلك. قال