للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقول: " لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ". رواه مسلم.

ــ

هذا التفصيل قول أبي يوسف وله حكاية مشهورة ذكرها الطحطاوي وغيره، وهو مختار كثير من المشائخ كصاحب الهداية والكافي والبدائع وغيرهم. وأما قولهما فذكر في البحر أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الخانية، والمشي في الكل على ما في الظهيرية، وقال: فتحصل أن في المسألة ثلاثة أقوال. ورجح الشيخ كمال الدين بن الهمام ما في الظهيرية بأن أدائها ماشيًا أقرب إلى التواضع والخشوع وخصوصًا في هذا الزمان، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة، ورميه عليه الصلاة والسلام راكبًا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه راكبًا – انتهى. وفي المرقاة: وروى البيهقي وابن عبد البر أنه عليه الصلاة والسلام رمى أيام التشريق ماشيًا. زاد البيهقي: فإن صح هذا كان أولى بالإتباع، وقال غيره: قد صححه الترمذي وغيره. وزاد ابن عبد البر: وفعله جماعة من الخلفاء بعده وعليه العمل. وحسبك ما رواه القاسم بن محمد من فعل الناس، ولا خلاف أنه عليه الصلاة والسلام وقف بعرفة راكبًا ورمى الجمار ماشيًا، وذلك محفوظ من حديث جابر – انتهى. ويستثنى منه رمي جمرة العقبة في أول أيام النحر كما لا يخفى (ويقول) عطف على (يرمي)) فيكون من قبيل ((علفتها تبنًا وماءً باردًا)) أو الجملة حالية (لتأخذوا مناسككم) قال النووي: هذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس. وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) – انتهى. قال الطيبي: ويجوز أن تكون اللام للتعليل والمعلل محذوف أي يقول: إنما فعلت لتأخذوا عني مناسككم – انتهى. ويؤيد الأول ما ورد عند النسائي والبيهقي بلفظ ((خذوا عني مناسككم)) وقال القرطبي: روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون التي هي مع الألف ضمير أي يقول لنا ((خذوا مناسككم)) فيكون قوله ((لنا)) صلة للقول، قال: هو الأفصح، وقد روي ((لتأخذوا مناسككم)) بكسر اللام للأمر، وبالتاء المثناة من فوق، وهي لغة قرأ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى {فبذلك فلتفرحوا} (١٠: ٥٨) انتهى. قال السندي في حاشية النسائي ((خذوا عني مناسككم)) أي تعلموها مني واحفظوها، وهذا لا يدل على وجوب المناسك، وإنما يدل على وجوب أخذها وتعلمها، فمن استدل به على وجوب شيء من المناسك فاستدلاله في محل النظر. فليتأمل – انتهى. وكذا قال في حاشية مسلم. وعلل ذلك بقوله: إذ وجوب تعلم الشيء لا يدل على وجوب ذلك الشيء إذ جميع المندوبات والسنن يجب أخذها وتعلمها ولو على وجه الكفاية، وهي غير واجبة عملاً فافهم، والله تعالى أعلم (فإني لا أدري) مفعوله محذوف أي لا أعلم ماذا يكون (لعلي لا أحج بعد حجتي) بفتح الحاء، وهي يحتمل أن يكون مصدرًا، وأن يكون بمعنى السنة (هذه) أي التي أنا فيها (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (ج ٥: ص ١٣٠) قال المزي: هذا الحديث في

<<  <  ج: ص:  >  >>