للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.................................................................................

ــ

التفسيرين، ولا تنتهض به الحجة لأنه محمول على كونه تدعوه للحاجة أو الضرورة إلى ذلك بدليل حديث جابر فهو أخص في محل النزاع) قال العراقي: ومن قيد الجواز بالحاجة أو الضرورة قال: هذه واقعة محتملة وقد دلت رواية أخرى على أن هذا الرجل كان محتاجًا للركوب أو مضطرًا له، روى النسائي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسوق بدنة وقد جهده المشي قال: اركبها – الحديث. ثم ذكر العراقي حديث جابر الذي نحن في شرحه ثم قال: ومن منع مطلقًا فهذا الحديث حجة عليه، ولعله لم يبلغه، ومن أوجب فإنه حمل الأمر على الوجوب، ووجهه أيضًا مخالفة ما كانت الجاهلية عليه من إهمال السائبة والبحيرة والوصيلة والحام بلا ركوب. ودليل الجمهور أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى ولم يركب هديه ولم يأمر الناس بركوب الهدايا. قلت: القول الراجح عندي هو أنه إن دعته ضرورة لركوب الهدي جاز وإلا فلا، وذلك لأن حديث جابر عند مسلم صريح في أن ركوب الهدي إنما يجوز بالمعروف إذا احتاج إليه واضطر لذلك، فإن زالت الضرورة بوجود ظهر يركبه غير الهدي ترك ركوب الهدي، فالقيد الذي في حديث جابر يقيد به حديث أبي هريرة وما في معناه الخالي عن القيد لوجوب حمل المطلق على المقيد عند جماهير العلماء لا سيما إن اتحد الحكم والسبب كما هنا، ويفيد المعنى منع الركوب مطلقًا فإنه جعلها كلها لله تعالى فلا ينبغي أن يصرف منها شيئًا لمنفعة نفسه لكن السمح ورد بإطلاقه بشرط الحاجة رخصة فيبقى فيما وراءه على المنع الأصلي الذي هو مقتضى المعنى، واعلم أن محل جواز ركوب الهدي ما لم يضر به الركوب، وهذا متفق عليه بينهم، وعليه يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر ((اركبها بالمعروف)) ومتى نقصت بالركوب ضمن النقصان عند الشافعية والحنفية والحنابلة، ومقتضى نقل ابن عبد البر عن مالك أنه لا يضمن. قال الطحاوي في اختلاف العلماء قال أصحابنا والشافعي: يركب إذا احتاج، فإن نقصه ذلك ضمن. وقال مالك: لا يركب إلا عند الحاجة، فإن ركب لم يغرم، وصرح في الهداية وغيرها من فروع الحنفية بأنه لو ركبها فانتقص بركوبه فعليه ضمان ما نقص. وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: وله ركوبها عند الحاجة ما لم يضر بها. قال أحمد: لا يركبها إلا عند الضرورة، وهو قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا، ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم، وإنما جوزناه عند الضرورة للحديث، فإن نقصها الركوب ضمن النقص لأنه تعلق بها حق غيره، وفي الركوب مع عدم الحاجة روايتان إحداهما لا يجوز لما ذكرنا، والثانية يجوز لحديث أبي هريرة وأنس – انتهى. واختلف المجيزون في أن جواز الركوب المقيد بالحاجة أو الضرورة هل ينتهي بانتهاء الحاجة أو يمتد إلى ما بعد ذلك، وهما قولان لمالك، فقال الجمهور يتقيد بذلك وينتهي بانتهاء الحاجة كما تقدم في بيان القول الثالث ما قال الحافظ من أن مقتضي من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من ضرورة أخرى. وقال عياض: قوله - صلى الله عليه وسلم - ((إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا)) فيه حجة لأحد قولي

<<  <  ج: ص:  >  >>