وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ــ
لمن فضل الملك على الرسول. (وكتبه) أي تصدق بأنها كلام الله، وأن ما تضمنته حق (ورسله) أي تصدق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله. ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل إلا من ثبتت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين. (واليوم الآخر) أي يوم القيامة؛ لأنه آخر أيام الدنيا، والمراد بالإيمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار، (وتؤمن) أي وأن تؤمن (بالقدر) بفتح الدال ويسكن ما قدره الله وقضاه، والمراد أن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، وهذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية، وسيجيء الكلام عليه في كتاب القدر، وأعاد العامل ومتعلقه تنبيهاً على الاهتمام بالتصديق به لشرف قدره وتعاظم أمره. (خيره وشره) بالجر بدل من القدر (فأخبرني عن الإحسان) أي الإحسان في العبادة، وهو إتقانها والإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود، قال الحافظ: وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه بعينه هو قوله "كأنك تراه" أي وهو يراك، والثانية: أن يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل، وهو قوله "يراك"، وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته، وقال النووي: معناه أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك تراه، فهو دائماً يراك فأحسن عبادته وإن لم تره، فتقدير الحديث: فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك (كأنك تراه) صفة مصدر محذوف، أي عبادة شبيهة بعبادتك حين تراه، أو حال من الفاعل أي حال كونك مشبهاً بمن يراه، قاله الكرماني، وقال العيني: التقدير: الإحسان عبادتك الله تعالى حال كونك في عبادتك مثل حال كونك رائياً، وهذا التقدير أحسن وأقرب للمعنى من تقدير الكرماني؛ لأن المفهوم من تقديره أن يكون هو في حال العبادة مشبهاً بالرائي إياه، وفرق بين عبادة الرائي بنفسه وعبادة المشبه بالرائي بنفسه – انتهى. وقال السندهي: وليس المقصود على تقدير الحالية أن ينتظر بالعبادة تلك الحال فلا يعبد قبل تلك الحال، بل المقصود تحصيل تلك الحال في العبادة، والحاصل أن الإحسان هو مراعاة الخشوع والخضوع وما ي معناهما في العبادة على وجه مراعاته لو كان رائياً، ولا شك أنه لو كان رائياً حال العبادة لما ترك شيئاً مما قدر عليه من الخشوع وغيره، ولا منشأ لتلك المراعاة حال كونه رائياً إلا كونه رقيباً مطلعاً على حاله، وهذا موجود وإن لم يكن العبد يراه تعالى. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في تعليله: فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي هو يكفي في مراعاة الخشوع على ذلك الوجه، فإن على هذا وصلية لا شرطية، والكلام بمنْزلة فإنك وإن لم تكن تراه فإنه يراك – انتهى. (فإن لم تكن تراه) أي تعامله معاملة من تراه (فإنه يراك) أي فعامل معاملة من يراك أو فأحسن في عملك فإنه يراك.