للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكلوا وادخروا وائتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ". رواه أبو داود.

ــ

بالخصب وسعة الخير وأتى بالرخاء وكثرة اللحم، فإذا كان الأمر كذلك (فكلوا وادخروا وائتجروا) افتعال من الأجر أي اطلبوا الأجر بالتصدق، قال المنذري: افتعلوا من الأجر يريد الصدقة التي يتبعها أجرها وثوابها، وليس من باب التجارة، لأن البيع في الضحايا فاسد. قلت: وقع في بعض نسخ أبي داود ((واتجروا)) بتشديد التاء، وكان أصله ائتجروا، ثم أدغم كما في ((اتخذ)) قال الخطابي: ((واتجروا)) أصله

ايتجروا على وزن افتعلوا، يريد الصدقة التي يبتغي أجرها وثوابها، ثم قيل اتجروا كما قيل اتخذت الشيء، وأصله ايتخذته، وهو من الأخذ، فهو من الأجر، وليس من باب التجارة، لأن البيع في الضحايا فاسد، إنما تؤكل ويتصدق منها – انتهى (ألا) للتنبيه (وإن هذه الأيام) أي أيام منى وهي أربعة، قاله القاري (أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها فيحرم الصيام فيها، وقد علل ذلك علي رضي الله عنه بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه، رواه البيهقي بسند مقبول، ومن ثم قال جمع: سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته، فأجابوه وقد أهدى على كل قدر وسعه، وذبحوا هديهم فقبله منهم وجعل لهم ضيافة وهي ثلاثة أيام، فأوسع زواره طعامًا وشرابًا ثلاثة أيام، وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار، والكعبة هي الدار، وسائر الأقطار باب الدار، فعم الله الكل بضيافته فمنع صيامها، ذكره الزرقاني (ذكر الله) أي كثرة ذكره تعالى لقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا} (٢: ٢٠٠) ولقوله عز وجل: {واذكروا الله في أيام معدودات} (٢: ٢٠٣) قال الزرقاني: وعقب الأكل والشرب بقوله ((وذكر الله)) لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى حقوق الله تعالى. قال الطيبي: هذا من باب التتميم، فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا لهما، لأن الناس أضياف الله فيها، فتدارك بقوله ((وذكر الله)) لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية، ونظيره في التتميم للصيانة أي الاحتراس قول الشاعر:

فسقي ديارك غير مفسدها _ ... صوب الربيع وديمة تهمى

قال الخطابي: قوله ((هذه الأيام أيام أكل وشرب)) فيه دليل على أن صوم أيام التشريق غير جائز لأنه قد وسمها بالأكل والشرب كما وسم يوم العيد بالفطر ثم لم يجز صيامه فكذلك أيام التشريق، وسواء كان ذلك تطوعًا من الصائم أو نذرًا أو صامها الحاج عن التمتع – انتهى. قلت: رواه مسلم في كتاب الصوم بلفظ ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله)) وقد ذكره المصنف في باب صيام التطوع، وتقدم هناك الكلام في صيام أيام التشريق مفصلاً (رواه أبو داود) في الأضاحي وسكت عليه. قال المنذري: وأخرجه النسائي بتمامه، وأخرجه ابن ماجه مختصرًا على الإذن في الادخار فوق ثلاث، وأخرج مسلم الفصل الثاني في ذكر الأكل والشرب والذكر – انتهى. قلت: وأخرجه أيضًا مطولاً أحمد (ج ٥: ص ٧٥، ٧٦) والبيهقي (ج ٩: ص ٢٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>