فليحلق، وثبت عن عمر وابنه أنهما أمرا من لبد رأسه أن يحلقه، وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبد رأسه وأنه حلقه، والصحيح أنه مخير إلا أن يثبت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول عمر وابنه قد خالفهما فيه ابن عباس، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - له لا يدل على وجوبه بعد ما بين لهم جواز الأمرين – انتهى. وقال النووي في مناسكه: إذا فرغ من النحر حلق رأسه أو قصر وأيهما فعل أجزأ، والحلق أفضل. هذا في من لم ينذر الحلق، أما من نذر الحلق في وقته فيلزمه حلق الجميع، ولا يجزئه التقصير، ولو لبد رأسه عند الإحرام لم يكن ملتزمًا للحلق على المذهب الصحيح، وللشافعي قول قديم أن التلبيد كنذر الحلق – انتهى. وقال الدردير: والتقصير مجزئ لمن له الحلق أفضل، قال الدسوقي: أي إن لم يكن لبد شعره وإلا تعين الحلق، ونص المدونة: من ضفر أو عقص أو لبد فعليه الحلاق، ومثله في الموطأ، وعلله ابن الحاجب تبعًا لابن شاس بعدم إمكان التقصير، ورده في التوضيح بأنه يمكن أن يغسله ثم يقصر، وإنما علل علماؤنا تعين الحلق في حق هؤلاء بالسنة – انتهى. ومذهب الحنفية أنه لو تعذر الحلق لعارض تعين التقصير أو التقصير لعارض تعين الحلق كأن لبده بصمغ فلا يعمل فيه المقراض، ومتى نقض تناثر بعض شعره وذلك لا يجوز للمحرم قبل الحلق كذا في العالمكيرية. وقال في الدر المختار: ومتى تعذر أحدهما لعارض تعين الآخر، فلو لبد بصمغ بحيث تعذر التقصير تعين الحلق، قال ابن عابدين: مثال لتعذر التقصير ومثله ما لو كان الشعر قصيرًا فيتعين الحلق، وكذا لو كان معقوصًا أو مضفورًا كما عزى إلى المبسوط، ووجهه أنه إذا نقضه تناثر بعض الشعر فيكون جناية على إحرامه، لكن قد يقال: إن هذا التناثر غير جناية لأنه في وقت جواز إزالة الشعر بحلق أو غيره، ولو نتفًا منه أو من غيره، فبقى ما في المبسوط مشكلاً، تأمل. ومثال تعذر الحلق مع إمكان التقصير أن يفقد آلة الحلق أو من يحلقه أو يضره الحلق بنحو صداع أو قروح برأسه، وتقدم مثال تعذرهما جميعًا في الأقرع وذي قروح شعره قصير – انتهى. وفي الحديث أيضًا أن الحلق أفضل من التقصير ووجهه مع قطع النظر عن سببه الوارد في الحديبية وحجة الوداع أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقى على نفسه شيئًا مما يتزين به بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وأما قول النووي تبعًا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر يبقي على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر، ففيه نظر، لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر للتقشف فإنه يحل له عقبه كل شيء إلا النساء في الحج خاصة، وفيه أيضًا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما، والتنبيه بالتكرار على الرجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحًا، هذا. وقد بسط الكلام في فوائد الحديث ومباحثه الولي العراقي في طرح التثريب (ج ٥: ص ١١٠ إلى ص ١١٨) فارجع إليه إن شئت (متفق عليه) وأخرجه أيضًا أحمد (ج ٢: ص ٧٩) وأبو داود والبيهقي (ج ٥: ص ١٠٣) وغيرهم.