للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يومًا وليلة ثم يرموا الغد. ولفظ الطحاوي من هذا الطريق: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء أن يتعاقبوا فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوماً ثم يرمون من الغد. ويؤيده أيضًا ما ورد في حديث الباب من طريق سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح عن أبيه عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي وغيرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا. قال الشوكاني: أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمى اليوم الثالث، وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من أيام التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم، وكلاهما جائز – انتهى. فهذه الروايات ظاهرة بل صريحة في ما قال به الجمهور من جمع التأخير وموافقة لتفسير الموطأ المذكور وأما رواية مالك على ما في النسخ الهندية للموطأ وأحمد وغيرهما بلفظ ((ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين)) فقال في المحلى في تأويلها: قوله (ثم يرمون الغد) من يوم النحر، وهو اليوم الحادي عشر إن شاءوا، وذلك هو العزيمة (أو من بعد الغد ليومين) لذلك اليوم واليوم الماضي إن لم يرم من الغد من يوم النحر فقوله ((ليومين)) متعلق بقوله ((أو من بعد الغد)) وهذا المعنى على مذهب مالك والشافعي وغيره ممن لم يجوز تقديم الرمي على يومه لأنه لا قضاء حتى يجب وإلا فظاهر الحديث أنهم بالخيار إن شاءوا رموا يوم القر لذلك اليوم ولما بعده، وإن شاءوا أخروا فرموا يوم النفر الأول ليومين، وبه قال بعضهم – انتهى. وقال الزرقاني: ظاهر رواية الموطأ بلفظ ((ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين)) (على ما في النسخ المصرية) أنهم يرمون لهما في يوم النحر، وليس بمراد كما بينه الإمام مالك بعد – انتهى. وقال الباجي: يريد (ص) أنه يرمي لليومين الغد ومن بعد الغد، فذكر الأيام التي يرمي لها وهي الغد من يوم النحر وبعد الغد وهما أول أيام التشريق وثانيها ولم يذكر وقت الرمي وإنما يرمي لهما في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال ولذا جمع بينهما في اللفظ فقال ((ليومين)) وقد فسر ذلك مالك – انتهى. قلت: ويشكل على تفسير الموطأ وعلى ما وقع عند أحمد في آخر الحديث ((قال مالك: ظننت أنه في الآخر منهما)) ما حكاه الترمذي وابن ماجة عن مالك بعد قول عاصم بن عدي في الحديث فيرمونه في أحدهما ((قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منهما ثم يرمون يوم النفر)) واختلفوا في دفع هذا الإشكال والاختلاف فذهب بعضهم إلى أن ما في الترمذي وابن ماجة سهو وخطأ من بعض الرواة والصحيح ما في مسند أحمد لأنه موافق لتفسير الموطأ الصريح الواضح، وذهب بعضهم إلى توجيه رواية الترمذي وتأويلها إلى ما في الموطأ والمسند فقال معنى قوله ((في الأول منهما)) أي بترك الرمي في الأول (أي في الحادي عشر) منهما (وقضائه في اليوم الثاني من أيام التشريق) وليس المراد الرمي في الأول منهما، ولا يخفى ما في هذا التأويل من التعسف، وقيل معناه أنهم يرمون في الأول منهما