قلت: والظاهر عندنا هو قول الجمهور. ثم ظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما بعد القطع إذا لم يجد النعلين، وهو مذهب الجمهور. وقال الحنفية تجب، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه وقت الحاجة، وأيضًا لو وجبت فدية لم يكن للقطع فائدة لأنها تجب إذا لبسهما بلا قطع، قاله الزرقاني. وهذا الذي حكاه عن الحنفية قد اختاره الطحاوي في معاني الآثار ورجحه من حيث الدليل وعزاه إلى أبي حنيفة وصاحبيه، ولكن قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام الطحاوي: وفي منسك ابن جماعة: وإن شاء قطع الخفين من الكعبين ولبسهما ولا فدية عند الأربعة – انتهى. وأغرب الطبري والنووي والقرطبي و (الحافظ) ابن حجر فحكوا عن أبي حنيفة أنه يجب عليه الفدية إذا لبس الخفين بعد القطع عند عدم النعلين وهو خلاف المذهب، بل قال في مطلب الفائق: وهذه الرواية ليس لها وجود في المذهب بل هي منتقدة – انتهى. وقال في شرح المناسك: إذا لبسهما قبل القطع يومًا فدم، وفي أقل من يوم صدقة، وإن لبسهما بعد القطع أسفل من موضع الشراك فلا شيء عليه عندنا. وأغرب الطبري والنووي والقرطبي فحكوا عن أبي حنيفة أنه يجب عليه الفدية إذا لبس الخفين بعد القطع عند عدم النعلين – انتهى. وبهذا ظهر أن مذهب الحنفية هو كالجمهور، واستدل بالحديث على أن لبس الخفين مشروط بالقطع، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة مع الاختلاف فيما بينهم في موضع القطع، وعن أحمد في المشهور عنه لا يلزمه قطعهما بل يجوز لبسهما من غير قطع قال ابن قدامة: ويروى ذلك عن علي، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح، واحتج أحمد بإطلاق حديث ابن عباس عند البخاري بلفظ ((ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين)) ومثله حديث جابر عند مسلم، وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن يقول بها ها هنا، وبأن ابن عباس حفظ لبس الخفين ولم ينقل صفة اللبس بخلاف ابن عمر فهو أولى. قال الحافظ: وأجاب الحنابلة عن حديث القطع بأشياء: منها دعوى النسخ في حديث ابن عمر فقد روى الدارقطني من طريق عمرو بن دينار أنه روى عن ابن عمر حديثه، وعن جابر بن زيد عن ابن عباس حديثه وقال: انظروا أي الحديثين قبل. ثم حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أنه قال: حديث ابن عمر قبل، لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام، وحديث ابن عباس بعرفات فيكون ناسخًا لحديث ابن عمر، لأنه لو كان القطع واجبًا لبينه للناس إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأجاب الشافعي عن هذا في الأم فقال: كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شك أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته – انتهى. وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين. قال ابن الجوزي: حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه – انتهى. وهو تعليل مردود بل لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة على أنه اختلف في حديث ابن عباس أيضًا فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا ولا يرتاب أحد