زال من الثوب ريح الطيب ولم تكن في لونه زينة كلون الزعفران والورس أو كان مما في لونه زينة فزال اللون بالغسل فلا مانع يمنع من الإحرام فيه، وقال أيضًا في موضع آخر: إن كان الثوب مصبوغًا فيجنب المصبوغ بالزعفران أو الورس يجتنبه الرجال والنساء لما فيه من الطيب والصبغ الذي يستعمله غالبًا للتجمل، وهذان المعنيان ينافيان الإحرام، فمن لبسه من الرجال والنساء فعليه الفدية، وفي المدونة كان مالك يكره الثياب المصبوغة بالورس والزعفران وإن كان قد غسل إلا أن يكون ذهب لونه فلم يبق فيه من لونه شيء – انتهى. وحاصل كلام الباجي والمدونة أن المحظور عند المالكية شيئان الطيب ولون الزينة والتجمل كلون الزعفران، فإذا كان الثوب مصبوغًا بشيء فيه ريح فقط وزال يجوز الإحرام فيه وإذا كان مصبوغًا بنحو الزعفران لا يجوز الإحرام فيه بمجرد زوال الريح حتى يزول اللون أيضًا. وقال العيني في موضع آخر: وقال أصحابنا (الحنفية) : ما غسل من ذلك حتى صار لا ينفض (لأن المنع للطيب لا للون) فلا بأس بلبسه في الإحرام وهو المنقول عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والحسن وطاوس وقتادة والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ومعنى ((لا ينفض)) لا يتناثر صبغه وقيل لا يفوح ريحه وهما منقولان عن محمد بن الحسن والتعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه ولكنه يفوح ريحه يمنع من ذلك، لأن ذلك دليل بقاء الطيب، ثم ذكر العيني حديث أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر المذكور ثم قال: فإن قلت: ما حال هذه الزيادة أعني قوله ((إلا أن يكون غسيلاً)) قلت: صحيح لأن رجاله ثقات وروى هذه الزيادة أبو معاوية الضرير وهو ثقة ثبت، فإن قلت: قال ابن حزم: لا نعلمه صحيحًا، وقال أحمد بن حنبل: أبو معاوية مضطرب الحديث في أحاديث عبيد الله، ولم يجيء أحد بهذه غيره، قلت: كفى حجة لصحة هذه الزيادة شهادة عبد الرحمن وكتابة يحيى بن معين ورواية أبي معاوية، وأما قول ابن حزم ((لا نعلمه صحيحًا)) فهو نفي لعلمه بصحته، وهذا لا يستلزم نفي صحة الحديث في علم غيره فافهم. وقد روى أحمد في مسنده من حديث ابن عباس حديثًا يدل على جواز لبس المزعفر للمحرم إذا لم يكن فيه نفض ولا ردع – انتهى. قلت: أبو معاوية الضرير المذكور في سند حديث ابن عمر عند الطحاوي هو مضطرب الحديث في غير حديث الأعمش سيما في عبيد الله بن عمر العمري كما قاله الإمام أحمد ومع ذلك كان يدلس كما صرح به يعقوب بن شيبة وابن سعد، وروى هذا الحديث عن عبيد الله معنعنًا ففي صحته نظر، وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه العيني فأخرجه أحمد في مسند (ج ١: ص ٣٥٣) عن يزيد بن هارون عن الحجاج عن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بزعفران قد غسل، ليس فيه نفض ولا ردع. ثم رواه في (ج ١: ص ٣٦٢) عن ابن نمير عن حجاج بن أرطاة عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في الثوب المصبوغ ما لم يكن به نفض ولا ردع. والسندان ضعيفان لتدليس الحجاج وضعف الحسين بن عبيد الله، وذكره