العلماء على جواز الحجامة له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك وإن قطع الشعر حينئذ، لكن عليه الفدية بقطع الشعر فإن لم يقطع فلا فدية عليه، ودليل المسألة قوله تعالى:{فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}(سورة البقرة، الآية ١٩٦) وهذا الحديث محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له عذر في الحجامة في وسط الرأس، لأنه لا ينفك عن قطع شعر. أما إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام لتحريم قطع الشعر، وإن لم تتضمن ذلك بأن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عند الجمهور ولا فدية فيها وعن ابن عمر ومالك كراهتها، وعن الحسن البصري: فيها الفدية وإن لم يقطع شعرًا، دليلنا أن إخراج الدم في الإحرام ليس بحرام – انتهى. وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس. ونقل الحطاب عن ابن بشير المالكي أنه ذكر قولاً بسقوط الفدية مطلقًا أي سواء أزال بسبب الحجامة شعرًا أو لا. قال الشنقيطي: القول الذي ذكره ابن بشير من المالكية واستغربه خليل في التوضيح بسقوط الفدية مطلقًا ولو أزال بسبب الحجامة شعرًا، له وجه من النظر، ولا يخلو عندي من قوة والله تعالى أعلم، وإيضاح ذلك أن جميع الروايات المصرحة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم في رأسه، لم يرد في شيء منها أنه افتدى لإزالة ذلك الشعر من أجل الحجامة، ولو وجبت عليه في ذلك فدية لبينها للناس، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والاستدلال على وجوب الفدية في ذلك بعموم قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}(سورة البقرة: الآية ١٩٦) لا ينهض كل النهوض، لأن الآية واردة في حلق جميع الرأس لا في حلق بعضه، وقد قدمنا أن حلق بعضه ليس فيه نص صريح، ولذلك اختلف العلماء فيه فذهب الشافعي إلى أن الفدية تلزم بحلق ثلاث شعرات فصاعدًا، وذهب أحمد في إحدى الروايتين إلى ذلك، وفي الأخرى إلى لزومها بأربع شعرات، وذهب أبو حنيفة إلى لزومها بحلق الربع، وذهب مالك إلى لزومها بحلق ما فيه ترفه أو إماطة أذى، وهذا الاختلاف يدل على عدم النص الصريح في حلق بعض الرأس، فلا تتعين دلالة الآية على لزوم الفدية لمن أزال شعرًا قليلاً لأجل تمكن آلة الحجامة من موضع الوجع، والله تعالى أعلم، وممن قال بأن إزالة الشعر عن موضع الحجامة لا فدية فيه: محمد وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة بل قالا: في ذلك صدقة، وقد قدمنا مرارًا أن الصدقة عندهم نصف صاع من بر أو صاع كامل من غيره كتمر وشعير، والحاصل أن أكثر أهل العلم منهم الأئمة الأربعة على أنه إن حلق الشعر لأجل تمكن آلة الحجامة لزمته الفدية على التفصيل المتقدم في قدر ما تلزم به الفدية من حلق الشعر كما تقدم إيضاحه وأن عدم لزومها عندنا له وجه من النظر قوي وحكاه ابن بشير من المالكية، وأما إن لم يحلق بالحجامة شعرًا فقد قدمنا قريبًا أقوال أهل العلم فيها وتفصيلهم بين ما تدعو إليه الضرورة وبين غيره – انتهى. قال النووي: وفي حديث الحجامة بيان قاعدة من مسائل الإحرام، وهي أن الحلق واللباس وقتل الصيد ونحو