الهجرة إلى المدينة، وبقى فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو – انتهى. قال الحافظ: وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت:{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مسضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}(سورة النساء: الآية ٩٩) وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار كفر وقدر على الخروج منها، وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعًا: " لا يقبل الله من مشرك عملاً بعد ما أسلم أو يفارق المشركين ". ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعًا: " أنا بريء من كل مشرك يقيم بين أظهر المشركين ". وهذا محمول على من لم يأمن على دينه، قال: وقوله ((جهادًا ونية)) قال الطيبي وغيره: وهذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك (وإذا استنفرتم) بصيغة المجهول أي إذا طلبتم للنفر وهو الخروج إلى الجهاد (فانفروا) بكسر الفاء أي اخرجوا، والمعنى إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا. قال النووي: يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه، وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدًا لا يتصور منها الهجرة، وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الإمام، وأن الأعمال تعتبر بالنيات، وقال الخطابي: في الحديث إيجاب النفير والخروج إلى العدو إذا وقعت الدعوة، وهذا إذا كان فيمن بإزاء العدو كفاية فإن لم يكن فيهم كفاية فهو فرض على المطيقين للجهاد، والاختيار للمطيق له مع وقوع الكفاية بغيره أن لا يقعد عن الجهاد، قال الله تعالى:{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى}(سورة النساء: الآية ٩٨) وقد ترجم البخاري لهذا الحديث ((باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية، وقوله:{انفروا خفافًا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} (سورة التوبة: الآية ٤٢) قال الحافظ: قوله ((وما يجب من الجهاد والنية أي وبيان القدر الواجب من الجهاد ومشروعية النية في ذلك، وللناس في الجهاد حالان، إحداهما في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأخرى بعده، فأما الأولى: فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقًا، ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية قولان مشهوران للعلماء، وهما في مذهب الشافعي، وقال الماوردي: كان عينًا على المهاجرين دون غيرهم، ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر