ترى ليس باختلاف يقدح في صحة الحديث وقالوا: إن هشام بن عروة الراوي له عن أبيه لم يسمعه من أبيه كما تدل عليه رواية الطبراني وفيه أن رواية أحمد والترمذي والحاكم صريحة في أن هشاماً سمعه من أبيه، ثم لو صحت هذه العلة ما أثرت؛ لأن غير هشام من الثقات رواه سماعاً من عروة، وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبوه أبوبكر، كما تدل عليه رواية مالك وأحمد وابن الجارود. وقالوا: الحديث يروى عن امرأة، والحكم متعلق بالرجال فكيف تختص بروايته النساء وفيه أنه لم يختص النساء بروايته كما سيأتي. وقالوا: المسألة التي تعم بها البلوى لا يعتبر فيها خبر واحد لا سيما مثل هذا الخبر. وفيه أن هذه القاعدة التي اخترعها الحنفية لرد الأحاديث الصحيحة باطلة، قد أبطلها الشوكاني في إرشاد الفحول (ص٤٩) وابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (ج٢: ص٢٠،١٢) وابن قدامة في جنة المناظر (ج١:ص٣٢٧) فارجع إلى تلك الكتب. ولو سلمت هذه القاعدة، فالحديث ليس من أخبار الآحاد، بل هو أشهر من حديث الوضوء بالنبيذ، رواه سبعة عشر من الصحابة. وقالوا: على تسليم صحته لا حجة فيه؛ لأنه متروك الظاهر عند الكل إجماعاً، فإن المس لغة مطلق فما قيدوه من القيود بالشهوة، أو بباطن اليد، أو بعدم الحائل، أونحو ذلك، تقييدات لإطلاق الحديث، وصريح في أنهم أيضاً لا يقولون بالحديث. وفيه أن المراد بالمس، المس باليد، سواء كان بباطنها أو بظهرها، لكن من غير حائل، يدل على ذلك حديث أبي هريرة الآتي، والروايات يفسر بعضها بعضا، فقد قلنا بأحاديث الباب، وعملنا بها وأما القيود الأخرى مما ذكرها فقهاء الشافعية وغيرهم، فلا نلتفت إليها؛ لأنها لا أثر لها في الأحاديث وقالوا: اضطرب القائلون بانتقاض الوضوء في مصداق حديث بسرة على أقوال كثيرة، وفروع مختلفة، تبلغ إلى قريب من أربعين، بسطها ابن العربي في شرح الترمذي، واختلافهم في مصداق الرواية الواحدة يورث الشبهة في الاحتجاج بها، فإنه يدل على أنه لم يتحقق عندهم، ولم يتعين محمل الحديث، فلو صح الحديث وثبت ترجحه على حديث طلق فمجمل أيضاً، لم يظهر مراده عند القائلين به، ولا خلاف بين القائلين بعدم النقض. وفيه أن معنى الحديث بين، ومصداقه ظاهر، ومحمله متعين، لكن عند المنصف الذي يحب السنة وصاحبها، وأما المتعسف الذي يتحيل لرد الأحاديث الصحيحة والسنن الثابتة فهو يتشبث بمثل هذه الأعذار الواهية الباطلة أبداً، ولا عبرة عندنا باختلاف الشافعية والمالكية وغيرهم في بيان معنى الحديث، والتفريع عليه بآرائهم وعقولهم، وبالجملة، الحديث ليس بمجمل بل هو بين المعنى. وقالوا: يحتمل أن يكون مس الذكر كناية عن الاستطابة بعد البول؛ لأنه غالباً يرادف خروج الحدث، فعبر به عنه، ومثل هذا من الكنايات كثير فيما يستقبح التصريح بذكره. وفيه أن هذا الاحتمال بعيد جداً، بل هو باطل، يرده حديث أبي هريرة الذي ذكره المصنف، وأيضاً لم يخطر هذا الاحتمال ببال أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم من السلف، ولم يقل به أحد منهم، بل حمله جميعهم على ظاهر معناه الذي يتبادر إليه الذهن. وقالوا: هو مقيد بما إذا خرج منه شيء. وفيه أنه لا دليل على هذا التقيد فهو مردود على قائله وقالوا: مفعول المس محذوف، تركه استهجاناً بذكره، والمعنى "من مس ذكره بفرج امرأته فليتوضأ" إقامة للداعي والسبب مقام المدعو والمسبب، فإن التقاء الختانين داع إلى خروج شيء، ونفسه يتغيب عن البصر، فأدير الأمر على المس احتياطاً وتيسيراً. وفيه أنه تحريف معنوي للحديث، يرده حديث أبي هريرة الآتي بلفظ" أفضى بيده".