المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة ثم غزى مرارًا بعد ذلك وكل ذلك لا يعارض قوله تعالى {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا} لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ولن يستحل هذا البيت إلا أهله. فوقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وهو من علامات نبوته وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمر المذكور فيها – انتهى كلام الحافظ. وقال العيني: لا يلزم من قوله ((حرمًا آمنًا)) أن يكون ذلك دائمًا في كل الأوقات، بل إذا حصلت له حرمة وأمن في وقت ما صدق عليه هذا اللفظ وصح المعنى، ولا يعارضه ارتفاع ذلك المعني في وقت آخر. وقال عياض ((حرما آمنا)) أي إلى قرب القيامة. وقال ابن الجوزي إن قيل ما السر في حراسة الكعبة من الفيل ولم تحرس في الإسلام مما صنع بها الحجاج والقرامطة وذو السويقتين؟ فالجواب: أن حبس الفيل كان من أعلام النبوة لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودلائل رسالته لتأكيد الحجة عليهم بالأدلة التي شوهدت بالبصر قبل الأدلة التي ترى بالبصائر، وكان حكم الحبس أيضًا دلالة على وجود الناصر – انتهى. هذا. وقد عقد البخاري باب قول الله تعالي:{جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد}(سورة المائدة: الآية ٩٨) ثم أورد فيه حديث أبي هريرة هذا. قال العيني: أشار به إلى أن قوام أمور الناس وانتعاش أمر دينهم ودنياهم بالكعبة يدل عليه قوله {قيامًا للناس} فإذا زالت الكعبة على يد ذي السويقتين تختل أمورهم، فذلك أورد حديث أبي هريرة فيه – انتهى. وقال الحافظ: كأنه يشير إلى أن المراد بقوله {قيامًا} أي قوامًا وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم فلهذه النكتة أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان، ثم ترجم البخاري لحديث أبي هريرة هذا، وحديث ابن عباس الآتي ((باب هدم الكعبة)) وذكر فيه طرف حديث عائشة المتقدم بلفظ ((قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم، قال الحافظ: فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع، فمرة يهلكم الله قبل الوصول إليها وأخرى يمكنهم، والظاهر أن غزو الذين يخربونه متأخر عن الأول، وقال العيني: غزو الكعبة المذكور في حديث عائشة مقدمة لهدمها لأن غزوها يقع مرتين ففي الأولى هلاكهم وفي الثانية هدمها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج ومسلم في الفتن، وأخرجه أيضًا أحمد كما تقدم والحاكم والنسائي في الحج وفي التفسير، هذا وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث، منها حديث ابن عباس الآتي ومنها ما رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح، ومنها ما رواه أحمد (ج ٢: ص ٢٢٠) والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا ((يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله)) ومنها ما رواه ابن الجوزي من حديث حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا طويلاً وفيه ((وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس