للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى

ــ

والتحديد بهذه الأماكن مؤيد لكون مجموع الحرم بريدًا، ولذلك قال ابن زبالة عقب ما تقدم عنه: وذلك كله يشبه أن يكون بريدًا في بريد – انتهى. ويحمل عليه قول أبي هريرة في حديث مسلم ((وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى)) لأن ذلك هو البريد أي ستة أميال من جهة قبلتها وستة أميال من جهة شاميها وكذلك في المشرق والمغرب ومثله حديث حمى كل ناحية من المدينة بريدًا أي من القبلة إلى الشمال بريدًا، ومن المشرق إلى المغرب بريدًا، وقد أخذ بذلك مالك رحمه الله لكن فرق بين حرم الشجر وحرم الصيد، وجعل البريد حرم الشجر وما بين اللابتين حرم الصيد. قال عياض في الإكمال: قال ابن حبيب: تحريم ما بين اللابتين مخصوص بالصيد، قال: وأما قطع الشجر فبريد في بريد في دور المدينة كلها، بذلك أخبرني مطرف عن مالك وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب – انتهى. وحكى الباجي في المنتقى مثله عن ابن نافع ونقل ابن زبالة عن مالك أنه قال: الحرم حرمان: فحرم الطير والوحش من حرة واقم – أي وهي الحرة الشرقية، إلى حرة العقيق – أي وهي الغربية – وحرم الشجر بريد في بريد. وقال البرهان بن فرحون: حرم الصيد ما بين حرارها الأربع، وسماها أربعًا لوجود الحرتين المذكورتين في الجهات الأربع، لانعطاف بعض الشرقية والغربية من جهة الشمال والقبلة، ولم يعول أصحابنا في تحديد الحرم على البريد مع ما فيه من الزيادة؛ لأن أدلته ليست بالقوية فعولوا على ما اشتملت عليه الأحاديث الصحيحة من الجبلين واللابتين على أن إطلاق أحاديث التحريم مقترن بعدم الفرق بين حرم الشجر وحرم الصيد سواء كان الحرم بريدًا أو دونه غير أن في أحاديث البريد ما يشعر بأنه للشجر، مع أن ابن زبالة - ومحله من الضعف معلوم – روى عن ابن بشير المازني أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرم ما بين لابتيها – يعني المدينة – من الصيد، وعن أبي هريرة وغيره نحوه. وفي رواية له: ((من الطير أن يصاد بها)) ، وقد يقال: هو من باب إفراد فرد مما حرم بالذكر. فإن قيل: قوله في حديث مسلم ((حرم ما بين لابتيها وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى، دال على الفرق المذكور، قلنا: ممنوع لأن غايته أن يراد بالحمى الحرم فكأنه قال: وجعل اثني عشر ميلاً حولها حرمًا؛ إذ ليس فيه أنه جعله حمى الشجر – انتهى كلام السمهودي. (فمن أحدث) أي أظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) بفتحتين أي منكرًا أو بدع وهي ما خالف الكتاب والسنة، وقال العيني: هو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة (أو آوى) أي ضم وحمى ومكن وأجار. قال عياض: ويقال: أوى وآوى بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح، والمد في المتعدي أشهر وأفصح. قال النووي: وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين، قال الله تعالى {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة} (سورة الكهف الآية: ٦٢) وقال في المتعدي {وآويناهما إلى ربوة} (سورة المؤمنون:

<<  <  ج: ص:  >  >>