٣٣٩- (٥) وعن ابن عباس، قال:((مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لايستتر من البول)) . وفي رواية لمسلم:((لا يستنزه من البول. وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة. ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين، ثم غزر في كل قبر واحدة. قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم صنعت هذا؟ فقال: لعله أن يخفف عنهما
ــ
بل يعم ويشمل حتى لو بال في إناء مثلاً في جانب البيت مالم يشرع قضاء الحاجة، فيقول في الأمكنة المعدة قبيل دخولها، وفي غيرها في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلاً، ومن نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه. (اللهم إني أعوذ بك) كان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ إظهاراً للعبودية ويجهر بها للتعليم. (من الخبث) بضمتين جمع الخبيث، وهو الموذي من الجن والشياطين. (والخبائث) جمع الخبيثة، والمراد ذكور الشياطين وإناثهم، وقد جاءت الرواية بإسكان الباء في الخبث أيضاً إما على التخفيف أو على أنه اسم بمعنى الشر، فالخبائث صفة النفوس، فيشمل ذكور الشياطين وإناثهم جميعاً، والمراد التعوذ من الشر وأصحابه. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
٣٣٩- قوله:(مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين) أي جديدين كما في رواية ابن ماجه، قال الحافظ: الظاهر من مجموع طرق الحديث أن المقبورين كانا مسلمين. (فقال: إنهما) أي صاحبي القبرين. وقيل: أعاد الضمير إلى غير مذكور؛ لأن سياق الكلام يدل عليه، وقيل: الضمير يرجع إلى قبرين بتقدير المضاف كما ذكرنا. (وما يعذبان في كبير) أي في أمر كان يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه لو أراداه، لا أنه في نفسه ليس بكبير، كيف وهما يعذبان فيه. فإن عدم التنزه يبطل الصلاة، والنميمة سعي بالفساد المفضي إلى سفك الدماء، وأيضاً ورد في رواية للبخاري "وإنه لكبير" فيحمل قوله: وإنه لكبير على كبر الذنب، وقوله "مايعذبان في كبر" على سهولة الدفع والاحتراز والتوقى. (لايستتر من البول) أي من بوله كما في رواية، فاللام عوض عن المضاف إليه، أو للعهد، والمعنى: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعنى لا يتحفظ منه، وفيه دليل على نجاسة بول الإنسان، ووجوب اجتنابه وهو إجماع، وعظم أمره، وأنه من أعظم أسباب عذاب القبر كالنميمة. (لا يستنزه من البول) أي لا يجتنب ولا يحترز عن وقوعه عليه، وقيل: أي لا يستبرئ ولا يتطهر ولا يستبعد عنه. (فكان يمشي) أي بين الناس. (بالنميمة) هي نقل كلام الغير لقصد الإضرار. والباء للمصاحبة أو التعدية على أنه بمعنى يشهر النميمة بين الناس ويشيعها. (ثم أخذ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (جريدة رطبة) بفتح الراء وسكون الطاء، أي غصناً من النخل. (فشقها بنصفين) مفعول مطلق، والباء زائدة للتأكيد، وقيل: حال أي جعلها مشقوقة حال كونها متلبسة بنصفين. (واحدة) أي من كل من الشقين. (لم صنعت هذا؟) أي الغزر. (لعله) أي العذاب، أو الهاء ضمير الشأن. (أن يخفف عنهما) أي صاحبى القبرين.