٣٥٣- (١٩) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم،
ــ
٣٥٣- قوله: (من اكتحل) أي أراد الاكتحال. (فليؤتر) أي ثلاثاً متوالية في كل عين، وقيل: ثلاثاً في اليمنى واثنين في اليسرى ليكون المجموع وتراً، والتثليث علم من فعله - صلى الله عليه وسلم -، ففي شمائل الترمذي أنه كانت له مكحلة يكتحل كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه. (من فعل) كذلك. (فقد أحسن) أي فعل فعلا حسناً ويثاب عليه؛ لأنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ومن لا) أي لا يفعل الوتر. (فلا حرج) فيه دليل على أن أمره - صلى الله عليه وسلم - يدل على الوجوب وإلا لما احتاج إلى بيان سقوط وجوبه بقوله: لا حرج أي لا إثم، قاله الطيبي. (ومن استجمر فليؤتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) هذا محمول على أن القطع على وتر سنة فيما إذا زاد على ثلاث جمعاً بين النصوص، وقال الشوكاني: الأدلة المتعارضة قد دلت على عدم جواز الإستجمار بدون ثلاث، وليس لمن جوز دليل يصلح للتمسك به في مقابلتها- انتهى وقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث سلمان من الفصل الأول. (فبما تخلل) ما شرطية أي أخرج من بين أسنانه بعود ونحوه. (فليلفظ) بكسر الفاء أي فليرم به وليخرجه من فمه، وهو جزاء قوله: ما تخلل، والشرطية جزاء الشرط الأول. (ومالاك) عطف على ما تخلل، واللوك إدارة الشيء في الفم، قيل: معناه أنه ينبغي للآكل أن يلقي ما يخرج من بين أسنانه بعود ونحوه لما فيه من الاستقذار، ويبتلع ما يخرج بلسانه، وهو معنى "لاك"؛ لأنه لا يسقذر، ويحتمل أن يكون المراد "بمالاك" ما بقي من آثار الطعام على لحم الأسنان وسقف الحلق وأخرجه بإدارة لسانه، وأما الذي يخرج من بين أسنانه فيرميه مطلقاً سواء أخرجه بعود أو باللسان؛ لأنه يحصل له التغيير غالباً. (من فعل) أي ما ذكر من رمى ذاك وابتلاع هذا. (ومن أتى الغائط) أي الخلاء. (فليستتر فإن لم يجد) أي شيئاً ساتراً. (إلا أن يجمع كثيباً) أي كومة. (من رمل فليستدبره) أي ليجعله خلفه لئلا يراه أحد، قال الطيبي: الاستثناء متصل، أي فإن لم يجد ما يستتربه إلا جمع كثيب من رمل فليجمعه ويستدبره؛ لأن القبل يسهل ستره بالذيل ونحوه. (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم) أي يقصد الإنسان بالشر في تلك المواضع، يعني يحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد؛ لأنها موضع يهجر ذكر الله فيه، فأمر بستر العورات ما أمكن، والامتناع من التعرض لأبصار الناظر، وهبوب الرياح، وترشش البول على ثيابه وبدنه،