وفي يده الدرقة فوضعها، ثم جلس فبال إليها. فقال بعضهم: أنظروا إليه يبول كما تبول المرأة. فسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ويحك أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم فعذب في قبره))
ــ
أبي خيثمة أن يكون عبد الرحمن أخا شرجيل، وقال الترمذي لما أشار إلى حديثه: يقال إنه أخو شرجيل (وفي يده الدرقة) بالفتحات الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عصب. (فوضعها ثم جلس فبال إليها) أي جعل الدرقة حائلة بينه وبين الناس وبال مستقبلاً إليها. (فقال بعضهم: انظروا إليه) وفي رواية الأحمد قال أي عبد الرحمن بن حسنة: كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه درقة أو شبهها فاستتر بها فبال جالسا قال: فقلنا: أيبول، الخ. وفي رواية الحاكم فقلت لصاحبي: ألا ترى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يبول؟ وهذه الرواية تدل على أن القائل كان مؤمناً إلا أنه قال ذلك تعجباً لما رآه مخالفاً لما عليه عادتهم في الجاهلية، وكانوا قريبي العهد بها. (كما تبول المرأة) أي في التستر، وعليه حمل النووي فقال: إنهم كرهوا ذلك، وزعموا أن شهامة الرجل لا تقتضي التستر على هذا الحال على ما كانوا عليه في الجاهلية، وقيل في الجلوس أو فيهما، وكان شأن العرب البول قائماً. ويؤيد الثاني رواية البغوي في معجمه: فقال بعضنا لبعض: يبول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تبول المرأة وهو قاعد. وفي معجم الطبراني: يبول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس كما تبول المرأة. (ويحلك) كلمة تقال لمن ينكر عليه فعله مع ترفق وترحم في حال الشفقة. (أما علمت ما أصاب) ما الأولى نافية دخلت عليه همزة الاستفهام للإنكار والثانية موصولة، والمراد به العذاب (صاحب بني إسرائيل) بالنصب وقيل بالرفع، أي من العذاب لنهيه عن المعروف وهو الإحتراز من البول، والتنزه عنه بقطع موضعه، ومقصوده - صلى الله عليه وسلم - بذكر صاحب بني إسرائيل لهم بيان سبب القعود في حالة البول، كأنه قال: بلت جالساً لا قائماً لئلا يصيبني شيء من البول، فاستنزهت من البول بهذا الوضع الخاص، وفي تعريضك منع عن الاستنزاه كمنع صاحب بني إسرائيل. (كانوا) أي بنو إسرائيل. (قرضوه) أي قطعوه، وكان هذا القطع مأموراً به في دينهم. (بالمقاريض) وفي رواية أبي داود: قطعوا ما أصابه البول منهم. يعني قطعوا الموضع الذي أصابه البول من ثيابهم، ففي حديث أبي موسى عند البخاري "كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه"، ووقع في مسلم "جلد أحدهم" قال القرطبي: المراد بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها. وحمله بعضهم على ظاهره، وزعم أنه من الإصر الذي حملوه، ويؤيده رواية أبي داود ففيها "كان إذا أصاب جسد أحدهم" لكن رواية البخاري صريحة في الثياب، فلعل بعضهم رواه بالمعنى، قاله الحافظ. (فنهاهم) أي صاحبهم عن القطع. (فعذب في قبره) بسبب مخالفة حكم شرعه، ونهيه عن العمل عليه وهو الاحتراز عن البول وقطع موضعه من الثوب. والمعنى تعجبك من فعلي بهذا التعريض فيه شبه إنكار وشائبة نهي عن المعروف، وهو الإستنزاه من البول