ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
ــ
في حديث ميمونة مرتين، أو ثلاثاً، وغسلهما يحتمل أن يكون للتنظيف مما بهما من مستقذر، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه الزيادة التي رواها مسلم وغيره بلفظ:"قبل أن يدخل يده في الإناء"، وزاد أيضاً: فيغسل فرجه (ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة) فيه احتراز عن الوضوء اللغوي، وظاهره أنه يمسح رأسه أيضاً. قيل: يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة، بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفاً لها، ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى. قلت: الظاهر هو الاحتمال الأول لقوله: ثم يفيض الماء على جلده كله. ثم اختلف في هذا الوضوء: فذهب الجمهور إلى أنه لا يجب الوضوء مع الغسل، وقال داود وغيره: الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث، ويلزم الجمع بين الوضوء والغسل، وهو الراجح، لأن المراد بقوله تعالى:"حتى تغتسلوا" هو الإغتسال الشرعي الذي ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذا المراد بقوله "فالطهروا" هو التطهر الشرعي، فما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيان هيئة الغسل هو بيان للإغتسال الشرعي المجمل الواجب الذي لا يتبين المراد منه إلا ببيانه - صلى الله عليه وسلم - فيكون واجباً. وظاهر قولها: كما يتوضأ للصلاة، أنه يغسل الرجلين ولا يؤخر غسلهما إلى فراغ الغسل، لكن وقع في رواية لمسلم:"ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه"، وفي رواية أبي داود الطيالسي "فإذا فرغ غسل رجليه" فإما أن يحمل قولها: كما يتوضأ للصلاة على المجاز، بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين، أو يحمل على ظاهره، ويكون المراد بقولها:"ثم غسل رجليه" في رواية مسلم أي: أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كانت غسلهما في الوضوء، فيوافق قولها في رواية الكتاب "ثم يفيض على جلده كله". (ثم يدخل أصابعه في الماء) لتأخذ البلل ثم يخرجها (فيخلل بها) أي: بأصابعه التي أدخلها في الإناء لأنه أسهل لوصول الماء. (أصول شعره) أي: شعر رأسه، ويدل عليه رواية البيهقي: يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك. وقيل: المراد شعر لحيته ورأسه جميعاً، لعموم قوله: أصول الشعر. (ثم يصيب) أي: الماء (على رأسه ثلاث غرفات) بفتحتين، وفي بعض النسخ غرف بضم المعجمة وفتح الراء، جمع غرفة، وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف، وفيه سنية التثليث في الصب على الرأس، وألحق به غيره، فإن الغسل أولى بالتثليث من الوضوء المبني على التخفيف. وقيل: لا يستحب التكرار في الغسل، والمراد من التثليث في هذه الرواية أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس، فكان يقصد بالثلث الاستيعاب مرة لا التكرار مرات، وكون الغسل أولى بالتثليث لا يخلو عن نظر، لأن في تثليث الغسل من الحرج ما ليس في تثليث الوضوء. (ثم يفيض الماء على جلده كله) هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما تقدم، وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل، لكن يعارضه ما وقع في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري: