من قرينة. وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمس المصحف، وخالف في ذلك داود. وأما المحدث حدثاً أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك إلى أنه يجوز له مس المصحف. وقال القاسم وأكثر الفقهاء منهم الأئمة الأربعة: لا يجوز. قلت: القول الراجح عندنا هو قول أكثر الفقهاء، وهو الذي يقتضيه تعظيم القرآن وإكرامه. والمتبادر من لفظ الطاهر في هذا الحديث هو الطاهر من الحدث الأصغر. أي: المتوضي، وهو الفرد الكامل للطاهر. واختلف في تفسير آية {لا يمسه إلا المطهرون}[٥٦: ٧٩] فقيل: إنها خبر عن اللوح المحفوظ أنه لا يمسه إلا الملائكة المطهرون، فالضمير في "لا يمسه" للكتاب المكنون الذي سبق ذكره في صدر الآية، والمطهرون هم الملائكة، وعلى هذا فلا حجة فيها لمن منع مس المصحف على غير طهارة. وقيل معنى الآية النهى للمكلفين من بني آدم عن مس القرآن على غير طهارة. والمراد "بالكتاب المكنون" المصاحف التي بأيدي الناس. وقوله تعالى:"لايمسه" وإن كان لفظه لفظ الخبر، فإن معناه النهى. لأن خبر الباري لا يكون بخلاف مخبره، ونحن نرى اليوم من يمس القرآن غير طاهر فثبت أن المراد به النهى، فيكون حجة على المنع من مس المصحف على غير طهارة. وقيل الآية حجة في وجوب الوضوء لمس المصحف على القول الأول أيضاً، وذلك أن الله تعالى وصف القرآن بأنه كريم، وأنه في الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهرون، فوصفه بهذا تعظيماً له، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في المصاحف، فوجب أن تمتثل في ذلك ما وصف الله تعالى به القرآن. (رواه مالك) عن عبد الله بن أبي بكر مرسلاً (والدارقطني) بسنده عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه مرسلاً، وأخرجه الدارقطني أيضاً عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده موصولاً، فقول المصنف والدارقطني محل تأمل. قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد روى مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئة لتلقى الناس له بالقبول، ولا يصلح عليهم تلقى مالا يصح - انتهى. وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتاباً، أصح من هذا الكتاب، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم. وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب. وقال ابن قدامة: هو كتاب مشهور، رواه أبوعبيد في فضائل القرآن، والأثرم - انتهى. والحديث أخرجه أيضاً أبوداود في المراسيل، والنسائي في الديات، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك (ج١:ص٣٩٧) في حديث طويل، والطبراني في معجمه، والبيهقي في سننه، وفي الخلافيات، وأحمد في مسنده، وابن راهوية، والدارمي. وقد بسط الزيلعي الكلام على طرقه في نصب الراية (ج١:ص ١٩٨،١٩٧) وله شواهد من حديث ابن عمر، أخرجه الطبراني. والدارقطني، والبيهقي، قال الحافظ: إسناده لا بأس به لكن فيه سليمان الأشدق، وهو مختلف فيه، رواه عن سالم عن أبيه. قال الحافظ: ذكر الأثرم أن أحمد احتج به. ومن حديث حكيم بن حزام أخرجه الحاكم (ج٣:ص٤٨٥)