ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً. فلما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرياح، قال: أيها الناس! إذا كان هذا اليوم، فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال: ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق)) .
ــ
(ويعملون على ظهورهم) أي: فيعرقون. (وكان مسجدهم) أي: مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأضيف إليهم لصلاتهم فيه. (ضيقاً) بالطول والعرض. (مقارب السقف) أي: قريب السقف من الأرض لقلة ارتفاع الجدار. (إنما هو) أي: سقف المسجد. (عريش) بفتح العين، هو كل ما يستظل به. والمراد أن سقف المسجد لم يكن مرتفعاً كسائر السقوف بل كان شيئاً يستظل به عن الشمس كعريش الكرم، وهو خشبات تجعل تحت أغصانه ليرتفع عليها، يعني القصد منه الاستظلال عن الشمس، وإن كان على رأس الواقف. (فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى المسجد. (في يوم حار) من أيام الجمعة. (وعرق الناس) بكسر الراء جملة حالية أو عطف على"فخرج". (في ذلك الصفوف) أي: الذين يعملون على ظهورهم حين لبسه. (حتى ثارت) أي: انتشرت. (منهم رياح) منتنة. (آذى بذلك) أي: بما ذكر من العرق والرياح. (فلما وجد) أي: أحس. (تلك الرياح) كذا في سائر النسخ بالجمع، وفي سنن أبي داود: والريح، بالإفراد. (هذا اليوم) إشارة إلى الجنس، أو المراد مثل هذا اليوم. (وليمس) بفتح الميم والسين. (ثم جاء الله بالخير) أي: المال من الثياب والعبيد والخدم، عطف على أول القصة، وهو كان الناس، أو على بدأ الغسل، وآثر ثم دلالتها على التراخي في الزمان. لأنهم مكثوا مجهودين مدة طويلة، والفتوحات إنما حصلت أواخر حياته - صلى الله عليه وسلم -. (ولبسوا غير الصوف) من القطن والكتان عطف تفسير. (وكفوا) بصيغة المجهول مخففاً من كفاه مؤنته أي: قام بها دونه، فأغناه عن القيام بها. (العمل) مفعول ثان، أي: وقاهم خدمهم عن العمل والتعب والمشقة. (وذهب) أي: زال. (بعض الذي كان يؤذي) أي: به. (بعضهم بعضاً) ويتأذى الكل. (من العرق) بفتحتين بيان للبعض. والحديث قد استدل به على عدم وجوب الغسل للجمعة. قال القاري في شرح المؤطا بعد ذكر هذا الحديث: فهذا يشير إلى أن الغسل كان واجباً، ثم صار سنة، يعني أن وجوب الغسل كان بعلة الروائح الكريهة، فلما زالت تلك العلة زال الوجوب. وفيه أنه لا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها، وهي إغاظة المشركين. وقال: الحافظ في ذكر حديث ابن عباس هذا: إسناده حسن، لكن الثابت عن ابن عباس خلافه كما سيأتي قريباً، وعلى تقدير الصحة، فالمرفوع منه