للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يارسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصلاة والصيام. قال: أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوبا. قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أوسبعة أيام

ــ

كان حقها أن تقول: أخبره وأستفتيه (فما تأمرني) ما استفهامية (فيها) أي: في حال وجود الحيضة (قد منعتني) استئناف مبين لما ألجأها إلى السؤال. ويمكن أن يجعل حالاً من الضمير المجرور في قولها فيها (الصلاة والصيام) أي: على زعمها (أنعت) أي: أصف (الكرسف) بضم الكاف والسين بينهما راء. أي: القطن وكأنه ينعت لها لتحتشى به فيمنع نزول الدم ثم يقطعه (فإنه يذهب الدم) أي: يمنع خروجه إلى ظاهر الفرج، أو معناه فاستعمليه لعل دمك ينقطع (هو أكثر من ذلك) أي: من أن يكون الكرسف مانعا من الخروج أو قاطعاً (فتلجمى) قال ابن العربي: قوله: تلجمى، كلمة غريبة لم يقع لي تفسيرها في كتاب، وإنما أخذتها استقراء. قال الخليل: اللجام معروف، أخذناه من هذا كأن معناه: افعلي فعلا يمنع سيلانه واسترساله، كما يمنع اللجام استرسال الدابة. وقال الجزري في النهائية: أي: اجعلي موضع الدم عصابة تمنع الدم، تشبيها بوضع اللجام في فم الدابة (فاتخذي ثوبًا) أي: تحت اللجام مبالغة في الاحتياط من خروج الدم (هو أكثر من ذلك) أي: من أن يمنعه (أثج) بضم المثلثة وتشديد الجيم، من ثج الدم والماء لازم ومتعد، أي: أنصب أو أصبه، فعلى الثاني تقديره أثج الدم، وعلى الأول إسناد الثج إلى نفسها للمبالغة، على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج، وهذا أبلغ في المعنى (سآمرك) السين للتأكيد (بأمرين) أي: حكمين أو صنعين (أيهما) بالنصب لا غير، والناصب له صنعت قاله أبوالبقاء (أجرأ عنك) أي: أغنى عنك (من الآخر) من بمعنى البدل (وإن قويت عليهما) أي: قدرت على كل واحد منهما (فأنت أعلم) بما تختارينه منهما، فاختاري أيهما شئت (إنما هذه) أي: الثجة أو العلة (ركضة) بفتح الراء أي: دفعة وضربة. والركض الضرب بالرجل والإصابة بها كما تركض الدابة وتصاب بالرجل. أراد الإضرار بها والأذى. والمعنى: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته، ولا ينافي ما تقدم من أنها عرق يقال: له العاذل، لأنه يحمل على أن الشيطان ركضه حتى انفجر. والأظهر أنها ركضة منه حقيقة إذا لا مانع من حملها عليه (فتحيضي) بتشديد الياء المفتوحة بعد الحاء، أي: التزمي أحكام الحيض، وعدي نفسك حائضا (ستة أيام أو سبعة أيام) قيل: أو للشك من بعض الرواة. وقد ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>