إن هذا من الشيطان. لتجلس في مركن، فإذا رأت صفارة فوق الماء، فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتوضأ في ما بين ذلك)) رواه أبوداود.
ــ
عليه الصلاة والسلام في ذلك (إن هذا) أي: أمر الإستحاضة، وترك الصلاة بها (من الشيطان) أي: من ركضه وتسويله (لتجلس) أمر (في مركن) أي: فيه ماء وهو بكسر الميم وفتح الكاف، إناء كبير يغسل فيه الثياب (فإذا رأت صفارة) كذا وقع في نسخ المشكاة كلها صفارة بزيادة الألف بعد الفاء، والذي في سنن أبي داود صفرة بغير ألف (فوق الماء) أي: فوق الماء الذي تجلس فيه فإنه تظهر الصفرة فوق الماء فعند ذلك تصب الماء للغسل خارج المركن. وفائدة الجلوس في المركن أن يعلو الدم الماء، فيظهر به تمييز دم الإستحاضة من غيره، فإنه إذا علا الدم الأصفر فوق الماء فهي مستحاضة، وإذا علا الدم الأسود فهو حيض، فهذه هي النكتة في الجلوس في المركن. وأما الغسل فخارج المركن لا فيه في الماء النجس، قاله الأمير اليماني (فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل) بالجزم عطف على المجزوم (وتغتسل للفجر غسلاً واحداً) جاء بطريق المشاكلة (وتوضأ) بحذف أحد التائين) فيما بين ذلك) أي: فيما بين الظهر والعصر للعصر، وفيما بين المغرب والعشاء للعشاء، لأنها صاحبة عذر، وهي مأمورة بالوضوء لكل صلاة. وهذا الحديث وحدي حمنة المتقدم فيهما الأمر بالاغتسال في اليوم والليلة ثلاث مرات، وقد بين في حديث حمنة أن المراد إذا أخرت الظهر والمغرب، ومفهومه أنه إذا وقتت اغتسلت لكل فريضة. وقد اختلفوا فيه، فروى عن بعض العلماء أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة. واستدل بما روى أبوداود والبيهقي وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: اغتسلي لكل صلاة. وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا يجب عليه الاغتسال لشيء من الصلوات، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها. وقالوا: رواية الأمر بالاغتسال لكل صلاة ضعيفة، غير ثابتة، قد بين البيهقي ومن قبله ضعفها. وقيل: بل هي منسوخة بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها توضأ لكل صلاة. وقيل: إن حديث تعدد الغسل محمول على الندب والاستحباب. واختاره أحمد، وجنح إليه الشافعي بقرينه عدم أمر فاطمة به، واقتصار على أمرها بالوضوء، فالوضوء هو الواجب. وقيل: محمول على العلاج، والتبريد، وتقليل الدم. قلت: القول الراجح عندي أن أحاديث تعدد الغسل محمولة على الاستحباب. قال ابن قدامة في المغنى: قوله: - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة "توضئ لكل صلاة" يدل على أن الغسل كل يوم بعد الغسل عند انقطاع الحيض، ثم تتوضأ لكل صلاة، وهو أقل المأمور، ويجزئه إن شاءالله-انتهى مختصراً (رواه أبوداود) وسكت عنه. وقال المنذري: حسن.