٥٦٧- (٢) وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً، هل يبقى من درنة شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحوالله بهن الخطايا)) . متفق عليه.
ــ
٥٦٧- قوله:(أرأيتم لو أن نهراً) بفتح الهاء وسكونها (يغتسل) أي: أحدكم (فيه) أي: في النهر (خمساً) أي: خمس مرات (هل يبقى من درنة شيء) بفتح الدال والراء أي: وسخه، ومن زائدة، وقيل بيانية. قال الطيبي: لو الامتناعية تقتضي أن تدخل على الفعل الماضي، وأن يجاب. والتقدير لو ثبت نهر بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات لما بقى من درنة شيء. فوضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا، إذ هو في الحقيقة متعلق الاستخبار، أي: أخبروني هل يبقى لو كان كذا؟ ومن في قوله:"من درنة" استغراقية زائدة لما دخل في حين الاستفهام، ودرنه مفعول يبقى، وفيه مبالغة في نفي درن الذنوب ووسخ الآثام-انتهى (فذلك) أي: النهر المذكور أو الغسل فيه خمس مرات. قال الطيبي: الفاء جزاء شرط محذوف، أي: إذا أقررتم ذلك وصح عندكم فهو مثل الصلوات (مثل الصلوات) فتح الميم والمثلثة، فيكون تشبيه المعقول – أي: الصلاة – بالمحسوس – أي: الغسل في النهر – وهو الظاهر. وقيل بكسر الميم وسكون الثاء، فيكون تشبيه الغسل بالصلاة، لكن المقصود تشبيه الصلاة بالغسل وإنما عكس في اللفظ مبالغة. قال القاري: عكس في التشبيه حيث أن الأصل تشبيه المعقول بالمحسوس مبالغة يمحوالله بهن الخطايا) أي: الصغائر. والجملة مبنية لوجه الشبه قال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه، ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته – انتهى. وظاهر الحديث أن المراد بالخطايا ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة، لكن الحديث المتقدم يدل على أن المراد بها هي الصغائر دون الكبائر. وقال السندي: خصها العلماء بالصغائر ولا يخفى أنه بحسب الظاهر لا يناسب التشبيه بالنهر في إزالة الدرن، إذ النهر المذكور لا يبقى من الدرن شيئاً أصلا. وعلى تقدير أن يبقى، فإبقاء القليل والصغير أقرب من إبقاء الكثير والكبير، فاعتبار بقاء الكبير وارتفاع الصغير قلب لما هو المعقول نظرا إلى التشبيه، فلعل ما ذكروا من التخصيص مبنى على أن للصغائر تأثيرا في درن الظاهر فقط، كما يدل عليه ما ورد في خروج الصغائر من الأعضاء عند التوضوء بالماء بخلاف الكبائر، فإن لها تأثيرا في درن الباطن كما يفيده بعض الأحاديث أن العبد إذا ارتكب المعصية تحصل في قلبه نكتة سوداء، ونحو ذلك. وقد قال تعالى {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}[١٤:٨٣] فكما أن الغسل يذهب بدرن الظاهر دون الباطن، فكذلك الصلاة. فتفكر-انتهى (متفق عليه) واللفظ المذكور لمسلم إلا أن فيه: يغتسل منه كل يوم خمس مرات. وفي لفظ البخاري بعض ما يتفاوت ذلك اللفظ. والمؤلف ربما ينسب الحديث إلى الشيخين، ويحكم بكونه متفقا عليه مع تفاوت في لفظهما، نظرا إلى أصل الحديث. وقد يصرح بالاختلاف. ولعل ذلك فيما يفحش التفاوت. والحديث