ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم)) رواه البخاري.
ــ
وخليفة المسلمين وإمامهم لإجماع أهل الشورى وغيرهم على إمامته. وفي رواية الإسماعيلي: وأنت الإمام، أي الإمام الأعظم. (ونزل بك ما ترى) أي من الحصار وخروج الخوارج عليك. (ويصلي لنا) أي يؤمنا. (إمام فتنة) أي رئيسها عبد الرحمن بن عديس البلوي أحد رؤوس المصريين الذين جلبوا على عثمان أهل مصر وحصروه في داره، أو هو كنانة بن بشر أحد رؤوسهم أيضاً، قال الحافظ وهو المراد هنا. (ونتحرج) وفي رواية عند الإسماعيلي وأبي نعيم: وإنا لنتحرج من الصلاة معه، والتحرج التأثم أي نخاف الوقوع في الإثم بمتابعته، وأصل الحرج الضيق ثم استعمل للإثم؛ لأنه يضيق على صاحبه. (الصلاة أحسن ما يعمل الناس) الصلاة مبتدأ وقوله: أحسن مضاف إلى ما بعده خبره، أى الصلاة أفضل أعمال المسلمين. (فإذا أحسن الناس فأحسن معهم) ظاهره أنه أذن ورخص له في الصلاة معهم، كأنه يقول: لا يضرك كونه مفتوناً بفسق، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به. قال الطيبي: وفيه دليل على جواز الصلاة خلف الفرقة الباغية وكل فاجر-انتهى. (وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) من قول أو فعل أو اعتقاد. لا صلاة التي هي أحسن أنواع الإحسان معهم، وفيه التحذير من الفتنة والدخول فيها، ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولاسيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة. واعلم أنهم اختلفوا في صحة إمامة الفاسق بجارحة واعتقاد، والراجح عندي أنه يجوز الإئتمام بالفاسق إذا لم يكن فسقه بجوارحه أو اعتقاده من الأمور التي يكفر بها صاحبها، لما لم يصح شيء في المنع عن الإئتمام بهم، وقد ورد ما يدل على صحة إمامته عند أبي داود وغيره، وهو وإن كان ضعيفاً لكنه قد تأيد بما كان عليه السلف الصالح من الصلاة خلف الأمراء المشتهرين بظلم العباد والإفساد في البلاد، وبما هو الأصل والأصيل، وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، فلا نتنقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض، نعم يجب أن يجعل المصلون إمام صلاتهم من خيارهم عند القدرة، كما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس مرفوعاً: اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم، وفي إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف، وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه - صلى الله عليه وسلم -: إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم. ولكن ليس محل النزاع إلا أنه لا يصح أن يكون الفاسق ومن في حكمه إماماً، لا في أن الأولى أن يكون الإمام من الخيار، فإن ذلك لا خلاف فيه، وسيأتي بسط الكلام في هذه المسألة في باب الإمامة إن شاء الله تعالى. (رواه البخاري) في باب إمامة المفتون والمبتدع، قال: وقال لنا محمد بن يوسف: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، الخ. وإنما عبر بصيغة "قال لنا" ولم يقل حدثنا أو أخبرنا مع متصل من حيث اللفظ والمعنى؛ لأن المتن