للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا؛ ولو يعلمون ما في التهجير، لاستبقوا إليه؛ ولو يعلمون ما في العتمة

ــ

الحالين. (إلا أن يستهموا) أي بأن يقترعوا، والاستهام الاقتراع، يدل على هذا ما في رواية لمسلم: لكانت قرعة. قيل: سمي بذلك؛ لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خرج له منها سهم فاز بالحظ المقسوم وغلب. والتقدير إلا بالاستهام وطلب السهم بالقرعة عليه. (عليه) أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول، وقد رواه عبد الرزاق بلفظ: لاستهموا عليهما، فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف، وقيل: عليه أي على السبق إليه أو على الاستحقاق فيهما. قال السندي: فيه تجهيل للمتساهلين في هذا الأمر، فلا يرد أنهم قد علموا بخبر الصادق وهم بسعة من تحصليه بلا استهام، ومع هذا لا يحصلونه، فكيف يصدق الخبر بأنهم لو علموا لاستهموا. (التهجير) أي التبكير إلى الصلاة مطلقاً أي صلاة كانت، قاله الهروي، وصوبه النووي، واختاره ابن عبد البر إذ قال: هو البدار إلى الصلاة أول وقتها، وحمله الخليل وغيره على ظاهره، فقالوا: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتق من الهاجرة، وهي شدة الحر نصف النهار، وهو أول وقت الظهر، وإلى ذلك مال البخاري إذ بوب على هذا الحديث في جامعه الصحيح ترجمة بلفظ: باب فضل التهجير إلى الظهر. ولا يرد على ذلك مشروعية الإبراد؛ لأنه أريد به الرفق، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ماله من الفضل. (لاستبقوا إليه) أي سبق بعضهم بعضاً إليه لا بسرعة في المشي في الطريق فإنه ممنوع، بل بالخروج إليه والانتظار في المسجد قبل الآخر، قال ابن أبي جمرة: المراد بالاستباق معنى لا حساً؛ لأن المسابقة على الأقدام حساً تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه. والحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الأذان، والملازمة للصف الأول، والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر. (العتمة) أي صلاة العشاء الآخرة في الجماعة. فيه دليل على جواز تسمية العشاء بالعتمة، وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي، فقال النووي وغيره: الجواب من وجهين: أحدهما أنه استعمل لبيان الجواز، وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم. والثاني أنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه، فهو لقصد التعريف لا لقصد التسمية، أو استعمل لفظ العتمة؛ لأنه أشهر عند العرب، وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب كما سيأتي، فلو قال: لو يعلمون ما في الصبح والعشاء. لتوهموا أن المراد المغرب. قال الحافظ: وهو ضعيف؛ لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث: لو يعلمون ما في الصبح والعشاء، فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة، وبالعتمة تارة من تصرف الرواة. وقيل: إن النهي عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز، وفيه نظر للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ. قال الحافظ: ولا يبعد أن ذلك كان جائزاً، فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة، وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلدفع الالتباس بالمغرب- انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>